نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق : الوثائق والبيروقراطية القاتلة - اخبارك الان, اليوم السبت 18 يناير 2025 10:50 مساءً
نشر في الشروق يوم 18 - 01 - 2025
بمناسبة الحملة الوطنية لاستخراج بطاقة التعريف الوطنية في المعاهد الثانوية لتلاميذ السنة الرابعة والثالثة ثانوي، والتي أتت تحت شعار "تعزيز روح المواطنة"، وجب الحديث عن كثرة الوثائق وعن التعطيلات التي يعيشها الراغب في الحصول على هذه الوثيقة الإدارية، فضلا عن الصّدمة "الحضارية" التي قد يتعرّض لها التلميذ في هذا المستوى، المنفتح على عالم الانترنيت الرحب، عندما يصطدم ولأول مرة ربما بجدار البيروقراطية و بثقل الإجراءات الإدارية التي تفرض عليه أو على أحد والديه أن يسلك رحلة شاقة لتجميع الوثائق الإدارية المختلفة حتى يصل إلى مرحلة استخراج بطاقة تعريف وطنية.
ربّما نتناسى أن تلاميذنا هم "مواطنون عالميون" بمعنى يعرفون جيّدا ما يحدث في العالم من تغيرات عميقة وسريعة في كل المجالات، بل إنّهم ربما أكثر اطلاعا على ما يحدث في العالم مما يعرفونه و يا للأسف عن بلادهم كيفية إدارة شؤونها. هؤلاء على سبيل المثال لن تستوعب عقولهم بسهولة أن تطلب منك الإدارة وثيقة ما أو أكثر من نسخة من الوثيقة ذاتها لتمدّ بها هذه الإدارة أو تلك، و الحال أنّه يمكن استخراجها بطريقة الكترونية و بين الإدارات المعنية نفسها. كما أن المعاليم المستوجب دفعها لهذه الوثيقة أو تلك يمكن تجميعها و استخلاصها مرّة واحدة عبر البطاقات البنكية أو البريدية، وبالتالي نخفف عن المواطن الجري من إدارة إلى أخرى ونخفف عنه عبوس الموظفين في وجهه وفي وجه غيره. فمضامين الولادة و شهادة الجنسية و شهادة الإقامة، وغيرها من الوثائق المستوجبة، تمثل تجربة محبطة وربما شديدة الإحباط لتلميذ في مقتبل العمر وفي أول تصادم حقيقي مع الإدارة التونسية. و إذا كانت هذه تجربته مع استخراج بطاقة تعريف وطنية، فكيف الحال مع من يريد بعث مشروع أو ولوج عالم الاستثمار.
إنّ داء البيروقراطية قد نخر إدارتنا لسنوات طويلة، وقد حان الوقت مع توفر الحلول الرقمية إلى ان نقطع جذريا مع الأدوات القديمة ومع وثائق لم يعد لها لزوم فضلا عن إمكانية رقمنتها. لقد تحدث رئيس الدولة و كذلك رئيس الحكومة في أكثر من مرة عن ضرورة رقمنة الإدارة، ولكن الواقع يثبت أننا ما زلنا في ما قبل سنة 2011 وحتى في ما قبل ذلك بعقود طويلة.
إن تلاميذنا شديدو الانفتاح على العالم وبكبسة زر واحدة على هواتفهم يمكنهم أن يعقدوا مقارنات بين ما يحدث عندنا و بين ما يحدث في دول العالم المتقدمة، و نعتقد أنها تجربة لن تشجعهم على البقاء في تونس، ففضلا عن أن نظام التوجيه الجامعي التونسي و رغم رقمنته لا يقدم حلولا عملية تناسب رغبات الطالب و التلميذ فإنّ تجربة استخراج بطاقة تعريف وطنية هي تجربة وجب مراجعتها جذريا حتى لا نزيد أسباب حالة النفور لدى جيل جديد، قد تجاوز القوانين البالية بأحقاب زمنية.
كمال بالهادي
.
0 تعليق