كتب ا د هاني الضمور - في مشهد يعجز عن وصفه أعظم الحكايات، يعود أهل غزة إلى بيوتهم المهدمة بأيدٍ تحمل الحجارة، وقلوبٍ تحمل السماء. هذا المشهد، الذي لا يرى إلا هنا، حيث الأرض تتشبث بأصحابها كالأم التي تأبى فراق طفلها، يذكرنا بحادثة الإسراء والمعراج، حين تحولت المحنة إلى منحة، والظلام إلى نور.
حادثة الإسراء ليست مجرد ذكرى عابرة أو حكاية تُروى، بل هي ملحمة أبدية تجسدها غزة والقدس في كل لحظة. اليوم، حين نرى أطفال القدس يواجهون جنود الاحتلال بعيون لا تعرف الخوف، وحين نرى أمهات غزة يعدن إلى بيوتهن تحت الركام ويشعلن نار الأمل، ندرك أن هذه الأرض ليست مجرد أرض، بل قطعة من السماء نفسها.
في القدس، يحاول الاحتلال اقتلاع الجذور، فيقتحم الأقصى كل يوم، يدنس حجارته ويحاول تقسيمه، وكأنهم لا يعلمون أن الأقصى ليس حجرًا فقط، بل روحٌ تسكن في قلب كل مؤمن. وفي غزة، يقفون على خط النار الأول، يواجهون الحصار والقصف بصدور عارية، لا شيء يساندهم إلا الإيمان الذي لا ينكسر.
حين صعد النبي ﷺ إلى السماوات في رحلة المعراج، كان ذلك إعلانًا بأن الكرامة لا تعرف حدود الأرض. اليوم، أهل القدس يواجهون التهجير، وأهل غزة يقفون تحت حصار خانق، لكنهم جميعًا يُحيون تلك الرسالة السماوية، يرفضون الخضوع، ويثبتون أن الروح الحرة قادرة على كسر كل قيود.
تصريحات التهجير ومحاولات التهويد ليست كلمات عابرة، بل جزء من مخطط طويل لتفريغ الأرض من أهلها. لكن غزة والقدس، بصدورهما العارية وإرادتهما الحديدية، تردان على هذا المخطط بعبارة واحدة: "لن نرحل، ولن تنكسر هذه الأرض مادام فينا عرق ينبض.”
رحلة الإسراء والمعراج كانت إعلانًا للوحدة، وحاجة الأمة اليوم إلى تلك الوحدة أكثر من أي وقت مضى. الأقصى ينادي، وغزة تصرخ، والرسالة واضحة: "هذه ليست معركتنا وحدنا، بل معركة الأمة جمعاء.”
اليوم، غزة والقدس تحملان راية الصمود في وجه أعتى الطغاة. الأقصى، الذي يئن تحت وطأة الاقتحامات اليومية، وغزة، التي تنزف دماء الشهداء، يرويان حكاية واحدة: أن هذه الأمة، مهما انكسرت، قادرة على النهوض. رسالة الإسراء تقول لنا إن الأمل يولد من الألم، وإن الحرية تبدأ بالإيمان بأن النصر قدر مكتوب لكل من يقاوم الظلم.
غزة والقدس ليستا مجرد مدينتين، بل هما روح الأمة وجسدها. كل حجر يُرفع من تحت الركام في غزة، وكل دمعة تذرفها أمهات القدس، هي جزء من تلك الرسالة السماوية التي لا تزال تتردد في الأفق: "اصمدوا، فالنصر قريب، وما على الأرض هو امتداد لما في السماء.”
0 تعليق