نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. منطق القوة وحسابات إعادة التشكيل - اخبارك الان, اليوم الأربعاء 29 يناير 2025 11:24 مساءً
نشر في الشروق يوم 29 - 01 - 2025
عندما كرّر دونالد ترامب فور فوزه بالرئاسة الأمريكية في 2024 ذات الشعار الذي رفعه عام 2016 أن "أمريكا أولًا"، فإن ذلك لم يكن في جوهره مجرد شعار، بل فلسفة حاكمة تقوده في كل القضايا الداخلية منها و الخارجية التي كان يضع خلالها العالم أمام نموذج غير مسبوق في السياسة الخارجية يعتمد على "منطق القوة" الذي يعيد تعريف الدبلوماسية كمعادلة صفرية، حيث الربح الأمريكي مسبّقا على الجميع.
إن نظرة متفحّصة لبعض المرجعيات التي تقود ساكن البيت الأبيض في عهدته الثانية، تحيل بوضوح إلى أن خطاب ترامب المعتمد في كثير منه على الشعبوية يستند إلى تحويل "الغضب الشعبي" من النخب إلى سياسة خارجية، عبر تصوير التحالفات الدولية مثل حلف الناتو ك"استغلال لأمريكا"، و يسعى في المقابل إلى اعتماد سياسة تعتمد على تكريس منطق القوة لتحقيق الغايات التي يريدها بعيدا عن أساليب السياسة التقليدية و محاذيرها و خطوطها الحمراء.
فقد بات واضحا للملاحظين سواء في عهدة ترامب الأولى أو في بدايات عهدته الحالية و ما تقدمه من مؤشرات أن ما يقود الرئيس الأمريكي هو عقلية الصفقات التي تبني الدبلوماسية على منطق الربح أو الخسارة بما يجعله يربط المساعدات الخارجية بتحقيق مكاسب فورية، و هو و لئن كان يسعى إلى تصوير نفسه كرجل يسعى إلى تحقيق صفرية الحروب في العالم فإن هذا المنطق يدخل في باب التعويم بدليل سعيه إلى تقوية الكيان الصهيوني الذي يمارس حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني وسعيه المحموم إلى تطبيق مخطط التهجير في غزة إلى مصر و الأردن.
أما على الصعيد الدولي، فإن سياساته تتبع ذات المنطق الغنائمي المتكبّر تحت شعار حماية المصلحة الأمريكية التي عوضت التدخل العسكري بمنطق القوة الاقتصادي و التجاري عبر فرض الرسوم الجمركية التي رفعها كعصا في وجه كولومبيا بعد رفضها استقبال طائرة عسكرية تحمل مهاجرين غير شرعيين و كذلك الصين التي فرض عليها رسوما بنسبة 25 % على وارداتها في 2018 بقيمة 250 مليار دولار، كما لم تحد سياسته عن ذات التمشي حتى في علاقته بحلفائه في الناتو بتهديده بالانسحاب من الحلف إذا لم ترفع الدول الأعضاء إنفاقها العسكري، مُستخدمًا مصطلح "مدينون لنا" في إشارة إلى التزاماتهم، علاوة على خطابه المثير للجدل حول إلحاق كندا بالولايات المتحدة أو تلك المتعلقة بقناة بنما أو بضم غرينلاند البعيدة كل البعد عن المنطق السياسي.
و لعلّ ما يراه مساندو ترامب في سياسته إعادة تعريف للأولويات الأمريكية ، هو في جوهره تشجيع على انهيار القيم التي بُنيت عليها الشرعية الدولية منذ 1945، باعتبارها تكرّس منطق القوة و البقاء للأقوى و تضرب مبدأ التحالفات السوية و تضع العالم أمام تحديات كبرى قد تسرّع بظهور منظومة متعددة القطبية لأن ما كان صالحا في 2016 لا يمكن إسقاطه على معادلات اليوم سواء في الشرق الأوسط أو في أوروبا أو لدى الصين و تجمعات سياسية واقتصادية أخرى لن ترضى بفرض الوصاية عليها.
هاشم بوعزيز
.
0 تعليق