انتقادات ترامب تقوّض مكاسب صناعة سلامة الطيران عالمياً - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

لا أعتقد أنني، حتى في هذا العصر السيّئ من السياسة، رأيت مشهداً مروعاً ومزعجاً للغاية، حيث كان زعيم سياسي يبحث عن كبش فداء، ويهاجم المهنيين في الخطوط الأمامية، ويورّط منافسيه السياسيين، كما فعل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الأسبوع الماضي.

ولقد طرح ترامب تكهناته حول سبب تحطم طائرة هليكوبتر «بلاك هوك» وطائرة إقليمية تابعة لشركة الخطوط الجوية الأميركية، قبل انتشال الجثث من الحطام، بينما كانت الأسر الحزينة في أضعف حالاتها وقبل استعادة «الصناديق السوداء»، ناهيك عن تقييم الحادث برمته.

وبالنظر إلى سجل ترامب، لم يكن ينبغي لنا أن نُفاجأ، لكن مثل العديد من تدخلاته، سيكون لهذا عواقب يتردد صداها لسنوات مقبلة، ما يقوّض المكاسب التي تحققت بشق الأنفس في مجال السلامة من قبل صناعة الطيران، والتي حتى مع الأخذ في الاعتبار هذه المأساة الرهيبة، تظل من عجائب العالم الحديث.

وبالنسبة لأولئك الذين يشعرون بالقلق بشأن الطيران، بسبب المخاوف التي أثارها ترامب من أن السماء يشرف عليها أشخاص يقظون، أكثر اهتماماً بصواب السياسية من السلامة، اسمحوا لي أن أشير إلى أن معدل الوفيات في الرحلات الجوية التجارية يبلغ نحو واحد من بين 13.7 مليون مسافر، وهو أمر مذهل، وآمل أن تتفق معي، عندما تفكر في المخاطر الكامنة في الطيران بأنابيب الألمنيوم بسرعة عالية عبر الهواء الرقيق على ارتفاع 35 ألف قدم.

وإذا استنتجت من نبرتي أنني غاضب، فأنت مخطئ، فأنا في حالة من الغضب الشديد، ولقد أمضيت قدراً كبيراً من حياتي المهنية أعمل في مجال سلامة الطيران، وألّفت كتاباً عن هذا الموضوع في عام 2015، ومازلت على اتصال وثيق بمديري السلامة في شركات الطيران الكبرى، والجهات التنظيمية، والمحققين.

إنها صناعة رائعة، ومازالت كذلك في اعتقادي، وتمثل المعيار الذهبي لتحقيق التحسين المستمر على نطاق واسع.

ويرجع هذا جزئياً إلى ثقافتها الشهيرة في التعلم من الأخطاء، لكن أيضاً الأمر الحاسم، أن الصناعة استوعبت درساً في وقت مبكر من تاريخها، بعدم الحكم مسبقاً على سبب الحوادث أو إلقاء اللوم على الأفراد.

وتدخّل ترامب بإلقاء اللوم على طاقم المروحية خلال سلسلة من الظهور العام غير المنتظم، وفي إحدى المرات شكك في بصرهم بسخرية مذهلة، ثم انتقل إلى منصته «تروث سوشال» ليعلن: «كانت مروحية (بلاك هوك) تحلق على ارتفاع عالٍ للغاية، وبفارق كبير».

لم أستطع أن أتوقف عن التفكير في عالم النفس الأميركي، ألفونس تشابانيس، الذي درس في جامعة «ييل» والذي شارك في إحدى اللحظات المحورية في التاريخ المبكر للطيران، عندما كلفته القوات الجوية للجيش الأميركي في أربعينات القرن الـ20 بالتحقيق في سلسلة من الحوادث التي شملت قاذفة القنابل «بي-17» التي توصف بـ«القلعة الطائرة».

وكانت هذه الطائرات تتدحرج على بطنها على المدرج عندما سحب الطيارون عن غير قصد رافعة سحب العجلات بدلاً من الرافعة المستخدمة لرفع اللوحات، وبدا الأمر وكأنه عدم كفاءة، وشعر تشابانيس بصوت داخلي يحثه على معاقبة هؤلاء الرجال وطردهم من الخدمة.

لكنه اكتشف بعد بحث دقيق أن الأمر لا يتعلق بعدم كفاءتهم، وإنما بتصميم قيادة الطائرة الذي لا ينسجم مع الحركة البشرية.

وقام تشابانيس بوضع حل لهذه المشكلة، على شكل عجلة صغيرة متصلة بالرافعتين، والآن أصبح لهذا الحل معنى بديهي يمكن فهمه بسهولة تحت الضغط، واختفت الحوادث من هذا النوع بين عشية وضحاها.

وسيلاحظ القراء اليقظون أنني لم أقدم رأيي الخاص بعد حول سبب الحادث، لكنني آمل أن تدركوا السبب، فربما تكون الأسباب كثيرة، ربما كان خطأ الطيار، أو المجال الجوي المزدحم بشكل خطير فوق واشنطن، أو أياً من الآراء الساخنة الأخرى التي يتم بثها على وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يكون أيضاً واحداً من 1000 احتمال آخر، لأن المفاجآت غالباً ما تكمن داخل طبقات الأنظمة المعقدة غير الخطية. ماتيو سيد   كاتب في «تايمز» و«صنداي تايمز»   عن «تايمز»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق