لا تحسد الثور على كُبر عيونه - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لا تحسد الثور على كُبر عيونه - اخبارك الان, اليوم الخميس 6 فبراير 2025 11:08 مساءً

ظلّ حلم (معطّر الجنّ) الذي لطالما منّى به نفسه أن يتصوّر جنب العريفة، ويعلّق الصورة في الزافر العريض، قبل ما يتروّح عروسه السهليّة، عشان تعرف أنه من الأعيان، وما يماشي إلا كبار الصدور، وسيعين القدور، سدادين الثغور، وهو ما هو دون شيء.

بيته المروبع بناه في خياله، قبل ما يبنيه برياله، مدّ المجلس إلى عينين بزافرين، وخصص عُليّة للزواج، ومراح للضأن والبقرة والحمارة جنب العُليّة، وما بقي عليه إلا يرزّ عينه.

ما عبّى ولا ثبّى، إلا وأخته الحولاء مقبلة عليه بسحاريتها فوق جمل، كانت على ذمة فقيه في قرية بعيدة عنهم، ومات عنها بسبب المِسكة انفجرت في بطنه، بعد ما عشّته على دراميح وطبيخة دُجر وصبّت له فوقها سمن عامي من طرف العكة، وكانت الحولاء ليلتها تتلهلب، وتمغط الكحلة إلى آخر الحُفف، وما غير اقتربت من فحلها إلا وهو مزرق الشفايف، مهدود الخشم، قلّبت فيه، إلى ونّه قاضي ماضي، فانعقد لسانها وما قدرت تصيح ولا تنيح، لجّمتها الجنّ، لأنهم لا بد أن يشيعوه قبل الإنس، وغطّت في نومها إلى ضحى اليوم التالي.

عندما استيقظت ظنت اللي جرى عليها البارح منام، وعجزت تتذكر؛ ودخلت العُليّة إلا وجثته مغسولة، ومطيّبة، وملفوفة في شاش أبيض، فاستغاثت بجيرانهم؛ وقدموا أولاده؛ ومع آخر أيام العزاء؛ قمقموا لها عيال الفقيه، وشدّوا سحاريتها فوق الجمل، وصوتوا عليها، (أهلك مُطروا)، ولم تنس خطف الكتاب الأصفر من تحت وسادة المرحوم، وهي في الطريق، كانت تحاول تعلل وتطمئن لسبب موته، وتهرج نفسها؛ هو مات من السمن، وإلا من الدُّجر الذي له سنتين في الدباء، وإلا السمن دسعت فيه وزغة، ولتهوّن الأمر رددت في صدرها «ما حد يموت قبل يومه» وأضافت «سمّني وهمّني، وبالشعوذة عمّني، وللجنّ ضمّني».

رحّب بها شقيقها (معطّر الجنّ) وضيّفها على كثيرة الشحم، لمحها تدخش الكتاب تحت كرويتة في الشقيق، لكنه لم يسألها، ولم يفتح معها أي موضوع، إلا عندما قالت له علمي سلامتك، وحكت عليه ما جا وما جرى، وعندما نشدها عن سبب وفاته بكت ثم ضحكت، فقال «ما يقدر في أمهات الخلاخيل إلا عزرائيل».

ورثت الحولاء عن زوجها الفقيه القراية، وصارت فقيهة، وبرغم أنها لم تقض معه إلا سنوات قليلة، إلا أنها أجادت الفتشة، والحجبة، وبحسن نيّة سألها شقيقها: ليش ما تحريت في بيت الفاني حتى تنقضي عدّتك؟ فأجابت: لا يكون زرمتني وانا ما لي إلا ثلاثة أيام، فقال: يا بنت الحلال ما زرمتك هذا شرع ربي، فعلّقت: «والله ما خرجت من عند عياله الحشيمين إلا بالغصيبة، نشبوا في حلقي أقعد معهم، لكني ما قعدت في حرى ورعان متشهوي الحمير، آخي شعر وشعير، دلوه رأس كل بير، ورشاه على كل غدير، ويقصّد ويعرض من غير لا دفّ ولا زير».

استعطفت (معطّر الجنّ) ووعدته بالخير، فوافق على ممارسة مهنتها في المداواة، وبدأت تستقبل المسكونين والمخرّعين والملزومين في البيت، كل واحد يرقف في حدّة، وكلّفت شقيقها يدور بينهم وبينهن بالمبخر، وكل ما أحد سأله «تعالج مع أختك؟» قال: «ما غير أعطّر الجنّ»، ومن هنا أطلقوا عليه لقب (معطّر الجنّ).

صرف نظر عن الزواج، وطلب من العريفة يعتذر من أرحامه، بعذر يطيّب الخاطر ويبيّض الوجه. نشده العريفة: وش تبغاني أخلق لك عذر؟ فقال: مخدوم؛ قل لهم أخته سحرها الفقيه قبل ما يموت، وصارت تتخبّث، وما وده على بنت الأجواد بزهقة، وإلا زلّة من مغزولة الدار، لمح فيه العريفة وقال: أشهد أنّ اللي سماك معطّر الجنّ ما كذب.

ما عاد يدري (معطّر الجنّ) وين يلقى له مكان يستوعب ظروف السمن، وسطلة العسل، وتنك وعِدل وجواليق التمر، كل معلول يدخل البيت مكتّف، وما يخرج من شقيق الحولاء، إلا وهو يسعى ويهلل ويكبّر، وخذ لك من الهدايا والأعطيات والمكافآت، الحنطة بحدها، والبنّ الشدوي بحدّه، والحوايج، والكساوي، وما نقص (معطّر) إلا حضن دافي، وصدر وافي، ومبسم شافي، وقوام سنافي.

شار عليه العريفة يزوّجه بنت أخته، فقال: أنا سدّ وجه الله؛ أعرف أمها كانت مع خالي، مصّت ما في سماينه من دمّ ودسم، وغدا معه ورا سيقانه كما ديوس الكلبة، والله ما يتعالمون القبيلة إني أخذت لي واحدة نديدة بناتي، لو كنت معرس من شبّتي كان بناتي أكبر منها. فقال العريفة: وش أحسن لك من رعبوبة تحمّص عذوقك، وتنشّط عروقك، وتملأ شدوقك. ردّ عليه: لا توصّف جالي، ولا تعشّم سالي، وبدع (حزموني عمموني، ما لنا في البكر نيّة). وكانت ناقة العريفة تقضم ذرة ومروا من جنبها؛ فقال العريفة: أجل تزوج ناقتي، فرمحت الناقة العريفة في ساقه وابتعد مردداً (هذي جزاة اللي يشفق على الناس).

ولأنه ما وده العريفة يزعل عليه، وإلا يأخذ في خاطره، عاد له متودداً؛ وحمل له بدون عِلم الحولاء (عكة سمن، وسطل عسل، وتنكة تمر، وقطفاً ممتلئ بالقهوة والحوايج)، وأقسم له ما عاف الزواج من بنت أخته، زهداً في مراحمته ومصاهرته، وذكّره بالبغل الذي نشدته أمه من هو أبوك؟ فأجابها: خالي حصان! فضحك العريفة وقال: والله ما شرت عليك إلا مودة، وأختك خلّها للجنّ في بيتك، وباعطيك العالية؛ تسكن معي في البيت، والخير حاصل، وأنت غالي وما ودي لك بالرخاصة.

شلّ وحطّ (معطّر الجنّ)؛ وهذا كبير القرية، والرجال شغله؛ كيف يتصوّر مع العريفة ويعلقها في الزافر، فقال يا عريفتنا: من جهتي تمّ، لكن لي شرط لا تجبرها على شيء. وسمعت أخته الحولاء بالخطوبة؛ فتسللت ضحى لبيت العروس، وخاصمتها؛ وأقسمت أن الجنّ يغنّون ويلعبون طوال الليل في البيت؛ لأن بنتهم عشقت أخوها الشاعر؛ ومعه بخور إذا بخّرهم به «وردوا»، وإذا فحّم جمره «صدّروا»، فأخرعتها، وحلفت لخالها لو يغصبها لتنتزي في البير، وتغديه فسوة سوق كلن يرويها.

مع أشتى الصيف، خرج المصوّر من الطائف، والتقط لهما صورة، وقال: إن شاء الله إذا سافرت أحمّضها، وأرسلها لكم مكبرة خمسين في ثلاثين، وبعد ثلاثة شهور وصلت الصورة داخل خريطة بيضاء، مربوطة ببرام، ومن ساعة ما أخرج الصورة زقا بها، وتناولتها أخته، إلا ونه ما ظهر من (معطّر الجنّ) إلا نصّ وجهه، فقال: أعرف حظي التعبان، خرجت من بطن ما وفيت تسعة أشهر، وبنيت البيت وما سكنته صار مرستان للحولاء والمغزّلة، والعروس حرمت نفسي منها، وآخرتها هذا المصوّر اللي عيونه كما عيون الثور، أحرمني فرحة صورتي مع العريفة، الله يحرمه العافية؛ ولكن قد قالها المقوّل (لا تحسد الثور على كُبر عيونه).


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق