نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
خطبة الجمعة من المسجد الحرام - اخبارك الان, اليوم الجمعة 7 فبراير 2025 01:30 مساءً
وبين فضيلته أن من فقه القوة أن تدبير هذا الكونِ كلِّه بيد الله سبحانه، وأن ما سواه لا يملك لنفسه حولًا ولا قوة، ولا يملك نفعًا ولا ضرًا ولا موتًا ولا حياةً ولا نشورًا.. فكيف يملك ذلك لغيره؟! ومن فقه القوة أن كل من أعجب بقوته من الخلق فاستعظمها واعتمد عليها خسر وهلك.
وأكد الدكتور غزاوي أن الإنسان ضعيف من جميع الوجوه وفي كل أموره، قال تعالى: (وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا)، وكيف للعبد الضعيف أن يغتر بقوته وقدرته، وينسى كيف كان حاله، وما هو إليه صائر، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن يُري العبدَ ضعفَه وأن قوته محفوفة بضعفين وأنه ليس له من نفسه إلا النقص، ولولا تقوية اللّه له لما وصل إلى قوة وقدرة ولو استمرت قوته في الزيادة لطغى وبغى وعتا. وليعلم العباد كمال قدرة اللّه التي لا تزال مستمرة يخلق بها الأشياء، ويدبر بها الأمور ولا يلحقها إعياء ولا ضعف ولا نقص بوجه من الوجوه."وأوضح فضيلته انه مما يدفع عُجْبَ المرء بقوته أن يعلم أنها فضل من الله عليه، وأمانة عنده ليقوم بحقها، وأن العجب بها كفران لنعمتها، مشيرًا إلى إن المؤمن يستمد قوته وعزيمته من ربه سبحانه ويتبرأ من حوله وطوله، ويعلم أنه لا حول له ولا قوة إلا بالله، ولا يَقوى على فعل شيء إلّا بتأييد مِنه سبحانه، وهذا ما يقر به المخبتون إلى الله، مبينًا أن ذكر الله يُقوي القلب والبدن، فهو يزيد النفس ثباتًا، والقلبَ طمأنينة، والإنسانَ رباطةَ جأش، كما أنه يقوي الجسد.
وأكد فضيلته على أن المؤمنون لا يعتَدُّون بقوتهم مهما بلغت ولا يغترون بما لديهم من عدد وعدة ولا يعتمدون عليها، مع أنهم مأمورون بالأخذ بأسباب القوة المعنوية والمادية، وعدم الركون للضعف، ومتى كان الاغترار بالقوة والكثرة لم يغن ذلك عنهم شيئًا، وأن النصر والغلبة مرتبطة بميزان القلوب لا بميزان القوى، كما أن قوة أمة الإسلام وصلابتَها تقوم على وحدتها واجتماع كلمتها، وأن التفرق والشتات هو من أسباب الفشل وذهاب الهيبة والغلبة، ففضّل النبيّ عليه الصلاة والسلام المؤمن القوي على المؤمن الضعيف، على الرغم من وجود الخيريّة في كلٍّ منهما، ذلك أن المؤمن القوي أكثر نفعًا وأعظم أثرًا؛ إذ يُنتج ويَعمل بما يعود عليه بالنفع لنفسه ويُحقّق مصالح المسلمين، ويعود عليهم بالخير والنصر على الأعداء والدفاع عن الدين ودحر الباطل وأهله، ويُنتفع بقوته البدنية، وبقوته الإيمانية، وبقوته العملية. ومما ينبغي أن يعلم أن قوة البدن ليست محمودة ولا مذمومة في ذاتها، فإن استعمل الإنسان هذه القوة فيما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة وفيما يحبه الله ويرضاه من الأعمال والطاعات صارت محمودة، وإن إستعان بهذه القوة على معصية الله كالبطش بالناس وإيقاع الضرر بهم صارت مذمومة ومن فقه القوة، فالقويُّ الشديدُ حقيقة هو الذي يجاهد نفسَه ويقْهَرُها حينما يَشتدُّ به الغضبُ؛ لأنَّ هذا يدل على قوّة تَمَكُّنِهِ من نفسه وتَغَلُّبِه على الشيطان ومن الفقه أيضًا أن القوة ليست دائمًا فيما نقول ونفعل بل تكون أحيانًا فيما نصمت عنه وفيما نتركه بإرادتنا وفيما نتجاهله ونتغافل عنه.
وشدد فضيلته على حاجة المرء إلى قوة وعزيمة ليَأخذَ الحقَّ بجد واجتهاد، مبينًا إنّ هناك أسبابًا وعوامل تؤدّي بمجموعها إلى تكوين مقوّمات قوّة المسلمين فمن ذلك: التمسّك بكتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، والعملُ بشرع الله القويم في شتى جوانب الحياة، وتركُ الأهواء ونبذُ البدع والانحرافات، واستحضارُ التاريخ الإسلامي؛ ليُستذكر من خلاله تاريخُ الأمّة المجيد وماضيها التليد، مما يشحذ النفوس، ويبعث العزائم، ويدعو إلى التفاؤل بأنّ التمكين لهذا الدين والنصرَ حليفُ المؤمنين، فيستشعرون المسؤولية المنوطة بهم، ويسعون في إصلاح مجتمعاتهم، ويتحرون ما هو خَيْرٌ وأصْلَحُ في كُلِّ ما يأْتُونَ وما يذَرُونَ، وإن للقوة مظاهر عدة في حياة المسلم منها: قوة الإيمان وقوة الأخذ به، وقوة الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم، وقوة الثبات على الدين والتمسك بالحقّ، وقوة البصيرة الناشئة عن العلم النافع، وقوة العبادة والطاعة واستباق الخيرات، وقوة الصبر على الأقدار المؤلمة والمصائب واحتمال المشاق في ذات الله، وقوة العزيمة والإرادة وقوة الامتناع عن الشهوات وكبح جماح النفس، وقوة الرأي ووضع الأمور مواضعها، وقوة أداء المهمات وحفظ الأمانات، وقوة الدعوة إلى الله وبذل النصيحة والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فما أعظمَ نعمةَ الله على من صرفَ جهده وطاقته في الوجه المشروع، ومُتع بجوارحه وأعضائه وقواه مدة بقائه في الدنيا، واغتنم قوته ونشاطه قبل الضعف والعجز،
واختتم فضيلته خطبته قائلًا نحن في شهر شعبان وهو كالمقدمة بين يدي رمضان وقد ثبت إكثار النبي صلى الله عليه وسلم فيه من الصيام، قال ابن رجب رحمه الله: في سياق بيان حكمة الصوم في شعبان: "إن صيامه كالتمرين على صيام رمضان لئلا يدخل في صوم رمضان على مشقة وكلفة بل قد تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة الصيام ولذته فيدخل في صيام رمضان بقوة ونشاط. ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب لتلقي رمضان وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن".
0 تعليق