نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
سلط الاشراف تعمل على استيعاب التداعيات الاقتصادية للتهرم السكاني - اخبارك الان, اليوم السبت 14 ديسمبر 2024 01:03 مساءً
نشر في الشروق يوم 14 - 12 - 2024
يميل البعض في تونس وأنحاء عديدة من العالم، لأسباب مختلفة، إلى الاعتقاد بأن النمو السكاني محرك للنمو الاقتصادي وأن هناك ثمة علاقة طردية بينهما، بحيث تؤدى الزيادة السكانية إلى زيادة النمو الاقتصادي ويستشهدون بالطفرة الاقتصادية الكبيرة التي حدثت في دول جنوب شرق آسيا في فترة التسعينات من القرن الماضي، رغم معدلات النمو السكاني المرتفعة في هذه الدول وقتها. غير أن معظم الدراسات الديموغرافية والاقتصادية الحديثة، أثبتت أنه لا يوجد نموذج واحد يصلح لتقييم وفهم العلاقة بين النمو السكاني والنمو الاقتصادي في كل دولة من دول العالم. وأن كل دولة لها ظروف مختلفة عن الأخرى والنموذج الاقتصادي الكمي الذي يصلح للتطبيق في دولة قد يعجز عن تفسير هذه العلاقة في دولة أخرى. فحزمة المتغيرات الضمنية التي تؤثر في هذه العلاقة كثيرة جداً وتختلف من دولة لأخرى، مثل مستوى التعليم والصحة وتوفر اليد العاملة المؤهلة والاستقرار المؤسساتي والاقتصادي، ويعد تجنيب آثار هذه المتغيرات الضمنية على النموذج عند دراسة هذه العلاقة مستحيلاً.
تُقدِم تونس على تحولات ديموغرافية غير مسبوقة، نتيجة تهرّم المجتمع وتراجع نسبة التجدّد السكاني مع نزول معدلات الخصوبة إلى أدنى مستوياتها منذ استقلال البلاد عام 1956. ونتيجة للتهرّم السكاني وتراجع عدد الولادات، لا يسجل معهد الإحصاء زيادة في عدد سكان تونس الذي يستقر عند 11,8 مليون نسمة، بينما تشير مؤشراته إلى زيادة في عدد كبار السن ممن تجاوزوا عمر الستين ويمثلون 15% من مجموع السكان، مقابل نسبة لا تتعدى 5% عام 1956.
ومقابل زيادة عدد السكان الذين تخطوا ال60 عاماً، تسجل البيانات الرسمية تراجعاً في عدد الولادات بوتيرة أسرع، إذ تقلص عدد المواليد الجدد من 220 ألف سنة 2015 إلى 135 ألف ولادة سنوية بحلول عام 2023. وتؤكد دراسات ان بوادر التهرّم السكاني ظهرت منذ نحو أكثر من عقد، إذ أبرزت الإسقاطات الديموغرافية منذ إحصائيات عام 2015، أنّ السّنوات القادمة ستحمل تغييراً جليّاً في الهرم العمري، حيث سيتضاعف عدد السكان المنتمين إلى الشريحة العمرية البالغة 60 سنة فما فوق إلى الضّعف.
كما تشير الدراسات الى أن هذه الشَّريحة مثّلت عام 2014، تاريخ آخر مسح أنجزه المعهد، 11.7% من إجمالي عدد السكان، بينما يرجّح أن تبلغ النّسبة نفسها 22.6% في سنة 2041، أي بنسبة تطوّر تفوق ال93%. وتكشف مؤشرات، ان التحولات في الهرم السكاني تحيل الى انخفاض عدد الولادات وتراجع معدلات الخصوبة التي بلغت 1.7 لكلّ امرأة في سنّ الإنجاب، وهو الرقم الأقل من معدل تجديد الأجيال. كما تبين معطيات أن "هذه التغيّرات الديموغرافية تنبئ بتوسّع الشّريحة الّتي تعتبر المستهدف والمستفيد الأوّل من سياسات الصحة، وذلك باعتبار علاقة ترابط بين التقدم في السّن وقابلية الإصابة بالأمراض، خاصّة منها الأمراض المزمنة على غرار مرض السكّري ومرض ضغط الدم وغيرهم.
واللافت في الحالة التونسية أن التحول الديموغرافي كان بشكل أسرع مما حدث في العديد من البلدان، ولا سيما منها البلدان الأوروبية، حيث كان التونسيون يرون مجتمعهم بعيداً عن تداعيات التهرّم حتى وقت قريب. وتعمل السلطات على تقديم المزيد من الاهتمام بفئة كبار السن مثل توفير اعتمادات مالية بقيمة 15 مليون دينار تونسي في 2023، لتهيئة وتوسيع مراكز إيواء كبار السن فاقدي السند. وأكدت وزيرة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن، أسماء الجابري، الشهر الماضي أمام مجلس نواب الشعب "أن المجتمع التونسي يستعد للتعامل مع ظاهرة التهرّم السكاني، إذ تتجاوز نسبة كبار السن 17% بحلول سنة 2029 بعد أن كانت 13% سنة 2018، مؤكدة أنه سيتم تعزيز حقوقهم والارتقاء بالخدمات الموجهة لهم".
وبيّنت الوزيرة في هذا السياق، أنه سيتم سنة 2025 العمل على تنفيذ المخطط الكلي للاستراتيجية الوطنية لكبار السن في أفق 2030، وتطوير المنظومة التشريعية لكبار السن نحو حمايتهم من جميع أشكال التمييز داخل المحيط الأسري والفضاء العام، وشمولية الإحاطة النفسية في الوسط العائلي، وتثمين مكانتهم في المحيط الطبيعي لإدماجهم في الحياة العامة والشأن المحلي، مع الاستفادة من خبراتهم. وعرف المجتمع التونسي تحولات كبرى في التركيبة السكانية التي تتجه نحو زيادة عدد المسنين، بعدما كان مجتمعاً شاباً، وهو أمر يفرض واقعاً جديداً، ويحتاج إلى تطوير مهن الرعاية الخاصة بهذه الفئات، بحسب الخبراء.
ويقرّ مختصون ان تعثّر مسار تركيز مؤسسات خاصة برعاية كبار السن، بعد نحو ثلاثة عقود من الاعتراف الرسمي بطب الشيخوخة كاختصاص طبي، مؤكدين أن هذا التعثر نتج منه ظهور قطاع خدماتي موازٍ لا ينضبط للقواعد العلمية لرعاية كبار السن.
.
0 تعليق