عاجل - ما بين "ماكس فيبر" و"ترامب": يا عزيزي كلّهم صهاينة! - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

 

كتب: كمال ميرزا

من الخُلاصات الغائبة عن الدارسين التي يمكن الخروج بها من كتاب "الأخلاق البروتستانتيّة وروح الرأسماليّة" لعالم الإجتماع الألمانيّ "ماكس فيبر"، أنّ عالَم الرأسماليّة الإمبرياليّة الصهيونيّة الذي نعيش فيه، ووَسَم التجربة البشرية خلال ما تُسمّى عصور "الأنوار" و"الحداثة" و"ما بعد الحداثة"، هو عالَم لم يُبنَ على معتقدات دينيّة أو أفكار فلسفيّة أو حقائق ومعطيات علميّة كما يتوهّم الغالبية، بل هو عالَم قد بُنيَ على أكثر النزعات الإنسانيّة "بدائيّةً" و"همجيّةً" من جشعٍ وطمعٍ وعنفٍ وشهوة مُلك وسيطرة وتحكّم، ثم أُسبغ على هذه النزعات خطاب دينيّ وفلسفيّ وعلميّ زائف، جعلها بمثابة عقيدة تُعتنق، وموقف عقلانيّ يُتّخذ، وحتميّة علميّة لا مناص منها نحو تحقيق "فردوس أرضيّ" كاذب!

وعبر هذه التجربة كان المفكّرون والفلاسفة والعلماء وما يزالون، من حيث يدرون ولا يدرون، هم المَعِين الذي لا ينضب من أجل إمداد هذه السرسرة والسفالة والخِسّة البشريّة بذخيرتها من الأفكار والتنطّعات التي تساعدها في صياغة خطابها الكاذب المخادع المراوغ غير الإنسانيّ.. مهما بدا برّاقاً ولمّاعاً و"منطقيّاً" و"متبصّراً" من الخارج!

الدين والفلسفة والعِلم أُعيد تعريفها، ويُعاد تعريفها بشكل حثيث كلّ يوم، وفق مرجعيّة الرأسماليّة الإمبرياليّة الصهيونيّة، أو ما يطلق عليها الدكتور "عبد الوهاب المسيري" مرجعيّة المصنع/ السوق. وللتعمية على النتائج الكارثيّة لذلك على الإنسان الفرد والبشريّة، يتم توجيه أصابع الاتهام إلى الدين والفلسفة والعِلم كمرجعيّات باعتبارها مكمن الخلل ومصدره، ويجري إقحامها في صراع وتناحر ما بين بعضها البعض، في حين تبقى الرأسماليّة الإمبرياليّة الصهيونيّة هي الثابت المُتجاوِز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه أو خلفه.. الذي يحكم حركة التاريخ والمجتمعات ومعاش الناس "العاديّين" في أبسط تفاصيل وجودهم وحياتهم اليوميّة!

رجل الدين والفيلسوف والعالِم، ثلاثتهم أصبحوا "زبانيّةً" للرأسماليّ، وانضمّ إليهم لاحقاً "الإعلاميّ" بمستويات سفالة تضاهي الثلاثة مجتمعين.. وقبل هذا وذاك هناك طبعاً "قطاريز" الرأسماليّ المخلصون والأثيرون على قلبه: الساسة والبيروقراط والعسكر!

مصطلح الرأسماليّة الإمبرياليّة الصهيونيّة هنا ليس مجرد خطاب منابر وكراريس ثوريّة.

مصطلح رأسماليّة هنا هو مصطلح منضبط ودقيق يشير إلى ذلك المنظور القائم على "مراكمة الفائض بلا نهاية"، وهو ما يتجلّى عمليّاً من خلال مفهوم "النمو" الذي ظاهره الرحمة وباطنه العذاب!

وهذه النظرة للعالم والحياة تقود بالضرورة إلى الإمبرياليّة، أي النزعة لامتلاك واستعمار واحتلال كلّ شيء، حتى الفضاء العام والخاص للأفراد، والاستحواذ عليهما واستدماجها.. باعتبار أنّ هذه النزعة الإمبرياليّة هي سمة أصيلة ولصيقة بالرأسماليّة بما هي رأسماليّة، وأكثر ما تتجلّى في مفهوم "التقدّم" أو "التطوّر" أو "التحديث" أو "التحوّل" كمرادفات اجتماعيّة وثقافيّة لمفهوم "النمو" الاقتصاديّ!

وهذا كلّه يقود إلى الصهيونيّة، أي تلك النظرة لكلّ شيء في الوجود باعتباره "مادةً استعماليّةً" حتى الإنسان نفسه، وهو ما يتجّلى من خلال مفاهيم تكنوقراطيّة إجرائيّة أداتيّة مثل الكفاءة والفاعليّة والترشيد والتنميّة البشريّة وبناء القدرات والمشاركة المدنيّة والمواطنة وسيادة القانون والتمكين والريادة... الخ!

في ضوء ذلك كلّه، فإنّ ميزة الرئيس الأمريكيّ "دونالد ترامب" ليست جنونه كما يظنّ بعض المجانين والمعاتيه، ميزة "ترامب" أنّه متشرّب للأخلاق والروح الرأسماليّة التي عرّاها "ماكس فيبر" حتى النخاع، ويمارسها بكلّ صراحة واندفاع وصفاقة واعتداد وعنجهيّة، أكثر من سابقه الصهيونيّ "جو بايدن"، وأكثر من الكلب المسعور "نتنياهو"، وأكثر من شريكه في هذه الجولة من السفالة والسرسرة "إيلون ماسك"!

ولكن الأمر لا يتوقّف عند "ترامب" وهذه الأسماء، فكلّ مَن يحمل مثل هذه النظرة للحياة والعالَم، وكلّ مع يتمثّل قيم المصنع/ السوق في حياته وسلوكه وعلاقاته مع الآخرين ويمتثِل لها.. هو من حيث المبدأ رأسماليّ إمبرياليّ صهيونيّ عرف ذلك أم لم يعرف، سواء أكان شيخاً بزبيبة، أو مفكّراً بنظارة سميكة وشعر أشعث، أو عالِماً بكرتونة، أو وجيهاً بعباءة أو ربطة عنق، أو "وليّاً للأمر" يدعي لنفسه شرعيّة السماء والأرض والتاريخ والسلالة ونقيع المعارك، أو مجرد نكرة من عامّة الشعب يسير مع التيار و"يمشي الحيط الحيط" ويدّعي كذباً أنّ جلّ ما يريده من هذه الحياة هو "الطاعة" و"الستر" و"حسن الختام"!

* العنوان مستوحى من فيلم "يا عزيزي كلّنا لصوص" للمخرج المصري "أحمد يحيى" عن قصة "إحسان عبد القدّوس" وسيناريو "مصطفى محرّم".


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق