لم يكن هناك شيء غير عادي في الانتخابات الألمانية، التي جرت الأحد الماضي، لكنها من المرجح أن تسفر عن تشكيل ائتلاف كبير.
فبعد انتظار دامَ عقوداً عدة، أصبح رئيس الحزب الديمقراطي المسيحي، فريدريش ميرتس، على وشك أن يصبح المستشار المقبل في حكومة ائتلافية مع الحزب الديمقراطي الاجتماعي، الذي ترأس الحكومة السابقة، لكنه هبط إلى 16% فقط من إجمالي الأصوات.
وبالنسبة لألمانيا، يمثل هذا فرصة أخيرة لدعم حظوظ الأحزاب الرئيسة، وإعادة تشغيل الاقتصاد، وقبل كل شيء إعادة توجيه ألمانيا بعيداً عن إغراءات اليمين المتطرف.
وعندما حضرتُ حفلاً انتخابياً في ميونيخ، أخيراً، بمقر الاتحاد الاجتماعي المسيحي، وهو الحزب الشقيق «البافاري» للحزب الديمقراطي المسيحي، أوضحت لي خبيرة الانتخابات، أنطونيا فيرير، أن «ألمانيا بلد تحت الضغط». وساعد ذلك في تفسير المزاج المقيد في المقر الرئيس في ميونيخ، ونبرة ميرتس الجادة عندما خاطب أنصار الحزب في دار «كونراد أديناور» في برلين.
وقبل يوم، وفي تجمع سياسي احتفالي في لوينبراوكيلر، كان ميرتس أشار بالفعل إلى أن أميركا ليست بالضرورة شريكاً موثوقاً به لألمانيا وأوروبا.
ويوم الأحد، ذهب إلى أبعد من ذلك، إذ حذر من أن أميركا في عهد الرئيس، دونالد ترامب، تشبه روسيا في عهد، فلاديمير بوتين، وأن ألمانيا لا تستطيع أن تعتمد على ترامب في توسيع المظلة النووية الأميركية لتشمل أوروبا.
تعزيز أوروبا
وعلى شاشة التلفزيون الوطني، قال ميرتس: «ستكون أولويتي المطلقة تعزيز أوروبا في أسرع وقت ممكن، حتى نتمكن خطوة بخطوة من تحقيق الاستقلال عن الولايات المتحدة».
وأضاف: «لم أكن أتصور قط أنني سأقول شيئاً كهذا في برنامج تلفزيوني، لكن بعد تصريحات دونالد ترامب، الأسبوع الماضي، أصبح من الواضح أن الأميركيين، على الأقل هذا الجزء من الأميركيين - هذه الإدارة - غير مبالين إلى حد كبير بمصير أوروبا».
وفي قلب مخاوف ميرتس تكمن الحرب في أوكرانيا، وزارت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، كييف للإعلان عن حزمة دعم جديدة بقيمة 3.5 مليارات يورو لها. وقالت إن «أوكرانيا الحرة ذات السيادة تصب في مصلحة العالم أجمع»، مؤكدة أن الاتحاد الأوروبي سيعمل على تسريع نقل الأسلحة والذخائر إلى أوكرانيا.
وإضافة إلى ذلك، فإن شبكات الكهرباء في أوكرانيا ومولدوفا في طريقها إلى التكامل مع السوق الكهربائية الأوروبية بحلول نهاية العام المقبل.
دور رئيس
تحت قيادة ميرتس، ستلعب ألمانيا دوراً رئيساً في تعزيز الدعم الأوروبي لأوكرانيا.
وخلال الحرب الباردة، كانت العلاقة الفرنسية الألمانية أساسية لمواجهة الاتحاد السوفييتي. وسيعمل ميرتس على إحياء هذه العلاقة لمواجهة بوتين. وتشاور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع ميرتس قبل السفر إلى واشنطن للقاء ترامب بشأن أوكرانيا.
في الوقت نفسه، سيتحرك ميرتس لتعزيز الإنفاق الدفاعي، إذ صرّح بأن ألمانيا قد تحتاج إلى تخفيف ديونها. لكن فوزه الضيق يعني أنه يواجه معضلة، فالديمقراطيون المسيحيون والديمقراطيون الاجتماعيون لديهم 328 مقعداً.
ويمتلك اليسار واليمين أقلية معطلة في البرلمان بواقع 216 مقعداً، ولا يمكن إصلاح نظام «كبح الديون» أو الصناديق الخاصة، الذي يعتمد على أغلبية الثلثين، إلا من خلال تعاونهما.
نهج مهدئ
ويؤيد كل من حزب «البديل من أجل ألمانيا» اليميني المتطرف، الذي سجل أكثر من 20% في الانتخابات ليصبح ثاني أكبر حزب في البرلمان، وحزب اليسار المتطرف، نهجاً مهدئاً تجاه موسكو.
وعلاوة على ذلك، يعتقد فصيل في الحزب الديمقراطي الاجتماعي - كما يقول ممثل مؤسسة «هانز سيدل» في واشنطن، كريستيان فورستنر - بـ«استمرار تقليد السياسة الشرقية»، أو الانفراج مع الشرق. ويشير إلى أن «هذا الفصيل لايزال متمسكاً بالاعتقاد الاستراتيجي بأن السلام في أوروبا لا يمكن أن يتحقق من دون روسيا، وأن موسكو تحمل مفتاح الأمن في أوروبا الشرقية».
لكن ميرتس يعمل جاهداً لتحذير الألمان من أن زمن الركود، الذي ساد في عهد المستشار السابق أولاف شولتس، لابد أن ينتهي.
وكان مباشراً وحازماً، وعرض نوعاً من الرؤية الأخلاقية التي لم يكن شولتس قادراً على التعبير عنها، إن اقتصاد ألمانيا وسياستها الخارجية في حاجة ماسة إلى الإصلاح، ومع انتظار حزب «البديل من أجل ألمانيا» على الهامش، فلابد أن يتماسك أي ائتلاف حكومي ألماني جديد أو ينهار بشكل منفصل.
جاكوب هيلبرون* *مدير تحرير مجلة «ذا ناشيونال إنترست» وزميل غير مقيم في مركز أوراسيا التابع للمجلس الأطلسي عن «ناشيونال إنترست»
. ألمانيا ستلعب تحت قيادة ميرتس دوراً رئيساً في تعزيز الدعم الأوروبي لأوكرانيا.
. اقتصاد ألمانيا وسياستها الخارجية في حاجة ماسة إلى الإصلاح.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
0 تعليق