"المسافة صفر" تعبير عسكري اتخذه المخرج الفلسطيني عنوانا لمنتجه الذي يقدم فيه 22 فيلما قصيرا نفذها فلسطينيون بأقل الإمكانيات تحكي في مجموعها الحالة الفلسطينية في مواجهة نكبتهم المستعرة بعد أن شاهدنا في الأخبار مشهد لمقاتل عاري الرأس خارجا من حفرة بالأرض ينتعل خفا منزليا وبسلاحه اليدوي يفجر دبابة ميركافا من الجيل الرابع و من أقرب مسافة معنوية فيلتحم فيها مع نصره ليحول الصفر من قيمة عددية إلى قيمة معنوية و يعود بعدها زاحفا الى نفقه تاركا خلفه دبابة تحترق. تحول فجأة هذا المصطلح (المسافة صفر) الى حدثٍ مبهر في حياتنا عندما قامت المقاومة الفلسطينية في غزة باعتماد تكتيك عسكري معروف لكنه جديد نسبياً وهو مستخدم سابقا في الحروب التي جرت في العصور القديمة ومن أيام السيوف والرماح، وقد اعتُمد هذا التكتيك حينها كأسلوبِ مواجهةٍ ونمطٌ دفاعيٌ يستعمل التكتيك الهجومي و يعتمد على المواجهة المباشرة بين حروب الشجعان (مكشوفي الصدر والرأس ) و حروب الجبناء المختبئين في الكتل الحديدية ( الدبابات) وبالمقابل كان نمط وطريقة المسافة صفر، للمقاتلين المدافعين عن ارضهم هو فخر الرجولة وفخرُ المقاومة حيث من خلال هذا التكتيك يواجه رجل لرجل او رجل يواجه دبابة او رجل يواجه مجموعة من الجند.
وصول فيلم رشيد مشهراوي "من المسافة صفر" إلى تصفيات الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي إنجاز مستحق ليس فقط لأن فلسطين بعد 7 أكتوبر احتلت الاهتمام الأكبر على مستوى العالم ولكن أيضا لأن العمل المكون من 22 فيلما قصيرا تجربة استثنائية تقدم مسحا لعدد كبير من فناني السينما الفلسطينى عبر أعمال متنوعة الأنواع بينها الوثائقي والروائي القصير وأفلام التحريك التي لفتت انتباهي بعد مشاهدة متأنية للفيلم بعضها عابر للنوعية مثل فيلم " جلد ناعم" الذي تمتزج فيه رسوم الأطفال مع المشاهد الحية لأطفال يتعلمون كيف تتم أفلام الرسوم المتحركة وبالطبع عبر رسوماتهم ، الخيام والأطفال الصامدين وسط الحرب.
تتابع الأفلام القصيرة ونشهد الوثائقي "تاكسي ونيسة" حمار يجر عربة كارو وتقوم بدور التاكسي في ظروف شعب عليه أن يبدأ من الصفر، ونيسة ترفض أن تتحرك بعد موت صاحبها . سنشهد لقاء مع أحد الناجين من تحت الأنقاض في فيلم " 24 ساعة"، مشهد خروجه من تحتها بث بالأخبار والفيلم يقدم الما بعد في لقاء مع الشاب الوحيد الذي نجا من أسرته التي دفنت تحت الأنقاض. تصحح الأفلام على قصر زمن عرضها معلومات تصلنا غير كاملة ففي "دقيق مصر" نشاهد كيف يتم القاء عبوات الدقيق من الطائرات فتتحطم الصناديق ويختلط الدقيق بالتراب ومع ذلك يجمعه الشباب نعمة يحتجونها لمواصلة العيش. ومخرج يجمع معدات تصوير فيلمه " عذرا سينما" فلا وقت للحب. "من المسافة صفر" ومدة عرضه 100 دقيقة كشكول أو ألبوم يضم مشاهد حياة تمحو آثار الدمار ونشهد صمود أبناء غزة وكفاحهم في مواجهة الميركافا وقصف الطائرات. نادرا ما نسمع بكائيات إذ تغلب القصص المليئة بالأمل وكأن هذا الشعب مستمر في منحنا نحن المراقبين عن بعد درسا في الصمود أمام نكبات الحياة. أول عمل في السلسلة تحكي سيدة شابة وتظهر لنا كيف تتأنق وتضع رتوش مساحيق التجميل لتكون جميلة وحاضرة للموت الذي قد يأتي في أي لحظة. السخرية من الموت واستعمال الكفن يتغطى به الشاب ليتدفأ في "جحيم السماء" عمل آخر دوكيو دراما لقصة حدثت ويتم تصويرها قبل ساعة الصفر حين يأتي الموت المنتظر. صمود آخر لطفل يخرج من المدرسة بعد "يوم دراسي" عادي ليزور قبر معلمه.
"خارج التغطية"عمل موجع يرفض فيه الرجل التسليم بقبول موت أخيه ويحمل ابنته الطفلة مسئولية المراقبة فوق الأنقاض. لاحظت تكرار تعبير تحت الأنقاض بينما أكتب رغم أن الانطباع الأخير للعمل ككل مفتوح على السماء ويدعو للحياة. يتميز أيضا فيلم العرائس "صحوة" الذي يقوم فيه صبية بتحريك عرائسهم بمهارة الكبار يصحو فيه والدهم من فقدان ذاكرة عادت إليه مع قصف الحرب ويتذكر ( ياه هوه احنا هيك حالنا نحن الفلسطينية!!، انفجار بيغيبنا وانفجار بيرجع بيصحينا ) وينتهي بأغنية من كلمات الشاعر المصري زين العابدين فؤاد ، ( في كل يوم حصار وف كل يوم غنا، همه يبدأو الدمار واحنا نبدأ البناء.) فتكون خير نهاية للعمل الذي أتصور أن مهمة مشهراوي الأساسية له كانت في ترتيب تتابعها لكي تشكل صيحة أمل وحياة تنمو من تحت الأنقاض.
لا شك أنه قام بمهمة الإشراف عن بعد للمخرجين والمخرجات تاركا لهم مساحة الحرية للتعبير بالشكل والمضمون عن إحساسهم بغزة فلسطين الصامدة، وبدعم انتاجي للمخرجة ليالي بدر تحقق العمل الذي يدفعنا للتفاؤل ما دام بفلسطين كل هذه الطاقة الظاهرة في " من المسافة صفر".
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
0 تعليق