نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
مع الشروق .. سوريا : سقوط نظام أم تفكيك دولة ؟ - اخبارك الان, اليوم السبت 14 ديسمبر 2024 04:59 صباحاً
نشر في الشروق يوم 13 - 12 - 2024
ما شهدته سوريا في الآونة الأخيرة من سقوط سياسي وعسكري مفاجئ يمثل لحظة فارقة في تاريخها المعاصر. فقد كانت هذه الدولة التي صمدت لسنوات طويلة أمام التحديات الداخلية والخارجية، تناضل ضد مؤامرات دبرها أعداؤها من مختلف الأطراف. هذا السقوط لم يكن مجرد نتيجة لضعف النظام السوري، بل هو ثمرة لتنسيق مشبوه بين قوى إقليمية ودولية، على رأسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وبعض الأنظمة العربية التي ساهمت بشكل مباشر في هذه التحوّلات. في الوقت نفسه، انتشرت مشاعر الفرح والشماتة في بعض الأوساط، حيث ظن البعض أن سقوط النظام السوري سيحل المشكلات الوطنية والإنسانية التي لطالما عانت منها البلاد.
ولكن ما يجهله الكثيرون هو أن ما حدث في سوريا لم يكن مجرد سقوط لنظام سياسي، بل هو بداية لمخططات أكبر تهدد وحدة سوريا ومستقبل شعبها. وعلى مدى سنوات، كانت هناك مؤامرات تهدف إلى تقسيم سوريا إلى دويلات طائفية وعرقية، وهو ما أصبح أقرب من أي وقت مضى. فبينما كان البعض يفرح بزوال النظام، كانت القوى المعادية تواصل تحقيق أهدافها، مستفيدة من اللحظة لتدمير القدرة العسكرية السورية واستهداف مراكز الأبحاث العسكرية التي كانت تشكل خط الدفاع الأخير عن وحدة الوطن. إسرائيل، منذ اليوم الأول، انقضّت على الأراضي السورية، محتلة العديد من المناطق، ومنتهكة كل الاتفاقيات، لتصبح على مقربة من العاصمة دمشق، مستغلة حالة الانقسام والفرح بوصول المعارضة إلى السلطة. بل والأكثر خطورة، أن الكيان الصهيوني نفّذ أكبر ضربة عسكرية مدمرة ضد الجيش السوري، حيث دمر أكثر من 80 % من قدراته العسكرية، من خلال استهداف القواعد العسكرية، البنى التحتية، الصواريخ والطائرات، في محاولة لتفكيك سوريا وجعلها دولة بلا مخالب وعاجزة عن الدفاع عن نفسها، وبالتالي تهديد أمن المنطقة بأسرها.
وفي ظل هذا الدمار، كان المنتصرون والمتفائلون بسقوط النظام يبثون تقارير عن "انتصارهم التاريخي"، متناسين أن التاريخ علمنا أن سقوط الأنظمة السياسية لا يؤدي بالضرورة إلى تقدم الشعوب أو حلّ مشكلاتها، بل قد يقود إلى فوضى تهدم كل ما هو قائم. هذا ما شهدناه في دول أخرى تعرّضت لما سُمي "الربيع العربي"، حيث تحوّلت تلك البلدان إلى ساحات حروب ونزاعات أهلية أدت إلى تقسيمها، ودمارها، وتدمير هويتها الوطنية. ما جرى في سوريا هو تذكير بأن الانسياق وراء الأوهام والأحلام قد يؤدي إلى كارثة كبرى، ليس فقط على الشعب السوري، بل على المنطقة بأسرها.
ومن المؤسف أن العديد من العرب لا يدركون عمق المخاطر التي تحيط بهم، وأن تقسيم سوريا لن يكون نهاية المطاف، بل بداية لمرحلة جديدة من الفوضى قد تطال دولًا أخرى في المنطقة. وأمام هذه الطبخات والمخاطر المحدقة بات لزاما على أمتنا العربية أن تتعظ من دروس التاريخ، وأن تعي أن الحفاظ على وحدة الوطن والمصلحة الوطنية يجب أن يكون فوق كل اعتبار.. فالأنظمة قد تتغير وتزول، لكن انهيار الدولة هو جرح عميق يصعب شفاؤه، وحين تنهار، لن تعود كما كانت...
ناجح بن جدو
.
0 تعليق