ت + ت - الحجم الطبيعي

أكثر ما تدمره التربية المتزمتة في الإنسان منذ طفولته وحتى يصبح ناضجاً هو شخصيته كإنسان طبيعي، نعم، فالتربية المتزمتة أو المثالية تعبير عن تطلعات الآباء والأمهات في أن يقدموا أبناءهم للمجتمع وللناس من حولهم باعتبارهم أشخاصاً مثاليين، صالحين، لا يخطئون، ولا يكتبون تحت السطر أو فوقه كما كانت معلمات اللغة العربية يطالبننا أن نكتب في كراسة الخط ونحن أطفال في الابتدائية!

لكن ماذا يمكن أن يحدث إذا كتبنا تحت أو فوق السطر؟ لن يحدث أي شيء، ستستمر الحياة كما هي، ولن يبالي بك أحد، وحدها معلمة اللغة العربية من سيجن جنونها، وتشعر بأنك أفشلت مشروعها التربوي العملاق، ولذلك ستضربك على أصابع يديك المعوجتين، كي تتعلم في المرة القادمة أن تضبط إيقاع أصابعك مع الفلسفة المثالية التي تملأ دماغها، فهي في النهاية تريدك أن تكتب بشكل مثالي لا أكثر.

لا يقتصر الأمر على كراسة الخط، فالأمر أكبر وأخطر بكثير، هناك أمهات يربين بناتهن على ألا يتصرفن كأطفال حتى لا تهتز الصورة الجميلة المثالية التي يربين بناتهن لأجل تحقيقها، وتظل هؤلاء الأمهات يزرعن الفكرة المثالية في أذهان بناتهن طيلة سنوات التربية، المهم أن لا يخرجن عن أبسط القواعد، حتى لا تفسد الطبخة أو الفكرة التي تعدها الأم كي تحقق ابنتها في النهاية المستقبل المشرق، وتنجح وتتزوج الرجل الذي يليق بها!

يحدث ذلك على وجه الخصوص للأمهات والأسر اللاتي يعتقدن أن هذا النوع من التربية هو الطريق نحو الخلاص من واقع اجتماعي أو مادي معين والتطلع لمستوى أعلى وأفضل لن تحققه إلا هذه التربية، ثم لا يهم كيف تعاني الطفلة أو الطفل، أو كيف تشعر ويشعر أمام النفس وأمام الرفاق!

كثيرون تربوا بهذه الطريقة المثالية، التي يظن البعض أنها هي التربية الفضلى لأن الأبناء يخرجون للحياة منضبطين ومثاليين، لكن من قال إنهم يكونون صالحين للحياة؟ أقوياء وقادرين على المواجهة والتعبير عن أنفسهم بجرأة؟ من قال إنهم عاشوا طفولتهم ودخلوا التجارب الحياتية المعتادة كأي طفل؟ من قال إنهم لم يحرموا من أمور بديهية لأن التربية والأمهات منعتهم من ذلك؟ التربية الصحيحة شيء والمثالية شيء آخر، ونحن لم نخلق لنكون مثاليين!