«الفستان الأبيض» أحلام مكسورة على صخور المعاناة - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

حلم كل فتاة أن ترتدي الفستان الأبيض يوم زفافها، من هذا الحلم الذي ينمو ويكبر منذ الطفولة لدى كل الفتيات بلا استثناء، انطلقت الكاتبة والمخرجة جيلان عوف لتقدم أول فيلم سينمائي طويل لها بعد العمل على السيناريو لنحو عشرة أعوام ولكن بشكل متقطع، وتصوير استمر خمسة أشهر، وهل يحتمل هذا الحلم أن يمتد لما يقرب من الساعتين على الشاشة؟
جيلان انطلقت من الفستان لتنتقل من حالة اجتماعية إلى أخرى وكأنها ترسم لوحة عن طبقة من الناس، وعن أحوال المقبلين على الزواج وتكسر الأحلام على صخور الغلاء والتكلفة العالية والفوارق الطبقية وبعض التقاليد ومظاهر الاستعداد لليلة الفرح أو ليلة «الدخلة» أو عقد القران..
رحلة البحث عن الفستان هي رحلة في قلب المجتمع ومحطات من حياة الطبقة الشعبية، فهل ينجح الفيلم في استقطاب الجمهور بعد عرضه في مهرجاني «الجونة» و«البحر الأحمر السينمائي»؟
وردة (ياسمين رئيس) صحفية في البطاقة فقط، لكنها لم تعمل في مجال تخصصها يوماً، تستعد ل «ليلة الدخلة» حيث تدور الأحداث في اليوم السابق للزفاف ويوم الزفاف، والدتها سعاد (سلوى محمد علي) تهيئ لها «الجهاز» بينما تنطلق وردة وابنة خالتها بسمة (أسماء جلال) لتدبير فستان الزفاف الأبيض، تتجهان إلى حيث تعمل والدة بسمة، لطيفة (لبنى ونس) في فيلا مدام تيتي والتي وعدتهن بإعطائهن فستان فرح ابنتها، لكن الفستان للأسف احترق طرفه بسبب الشموع، صدمة تجعل وردة مكتئبة متشائمة في قرارة نفسها عاجزة عن التعبير أو النطق بكلمة، مدام تيتي تحاول تعويضها بإرسالها إلى صديقتها مدام باكينام (أروى جودة) تملك محلاً لتأجير فساتين الأعراس، المحل فخم وزبائنه من الطبقة الراقية والتي يملك أفرادها ثمن شراء أغلى فستان بلا معاناة..
هنا تبدأ المؤلفة جيلان عوف إبراز الفروق بين الأثرياء والمعدومين، أو من هم دون الوسط، والفرق بين حلم عروس من تلك الطبقة وعروس من هذه، نظرة لا تخلو من العنصرية تعكسها المخرجة في طريقة تعامل باكينام مع وردة وبسمة، ونظرة زبونتها الإعلامية المشهورة ليلى حلمي التي جاءت مع ابنتها لاختيار فستان الزفاف، ودهشتها حين علمت أن وردة صحافية.
كما هو متوقع خرجت وردة بلا فستان، لتكمل رحلة البحث مع عريسها عصام (أحمد خالد صالح) وابنة خالتها بسمة، يجوبون ثلاثتهم الشوارع بسيارة العريس الصغيرة والحوار يحمل الكثير من المعاني مثل قوله لها «ما ينفعش تطلبي كل حاجة» معترضاً على إصرارها على الفستان الأبيض، فتجيبه «وما ينفعش ما عوزش أي حاجة».. تمسُّكها بالأبيض يقودها إلى مغامرات تُعرّضها وعريسها وابنة خالتها وصديقتهما لمواقف محرجة ومشاكل كثيرة، يجوبون شوارع القاهرة وينتقلون من محطة إلى أخرى ومن أمل إلى آخر.. إحباطات كثيرة ولكن البطلة لاتتخلى عن بصيص الأمل ولا عن الفستان الأبيض حيث تردد «الفستان دا حقي» باعتبار أنه الحلم الذي تتمسك به، فهو «اللي ما بيتلبسش غير مرة واحدة»..
خلال هذه الرحلة تصادف وردة نماذج أخرى من المجتمع والمشاكل، جيلان عوف تحمّل فيلمها مجموعة من القضايا التي تريد مناقشتها، تترابط ببعضها في نقاط اجتماعية، لكنها تمنع الجمهور من التركيز فيها كلها، كان من الأفضل أن تحصر المخرجة أفكارها في مشكلة أو اثنتين، حلم الفستان الأبيض وأزمة الشباب في التكلفة العالية للتجهيز ليوم الفرح ومعاناة العريس عصام بالعمل ليل نهار في أكثر من مكان كي يتمكن من تأسيس منزل وأسرة، ما يدفعه للتفكير في التراجع «كان لازم أحسبها صح» «احنا تسرعنا ولا إيه؟» يسأل عروسه، منذ سبعة أعوام وقرار زواجهما قائم ولم يتحقق لهما الاستقرار الذي يبحثان عنه.
تقول وردة في حديثها مع امرأة في مخفر الشرطة مدانة بسبب عجزها عن تسديد كمبيالات منذ أربعة أعوام من أجل تجهيز ابنتها للزواج (تؤديها ميمي جمال): «منذ سنوات وأنا اصغّر في حلمي إلى حد لم يعد أحد يراني»، وردة تتعاطف مع المرأة فتعطيها أحد سواريها الذهبيين اللذين لا يفارقان معصمها في دلالة على إحساس هذه الطبقة ببعضها..
أزمة كافية لصناعة فيلم جيد، لكن تشعب القضايا وصولاً إلى التحرش ونظرة المجتمع لحقوق الفتاة وأنها يجب أن تلتزم الصمت «وتمشي جنب الحيط» حال دون التفات المؤلفة إلى تفاصيل ضرورية في الفيلم تغنيه وتمنحنا فرصة الإحساس أكثر والتعاطف مع الأبطال، معلومات مهمة ليست متوفرة، مثلاً خلفية عن عصام وأسرته وظروفه العائلية، بسمة وأسلوب حياتها الذي ينم عن رغبتها في التمرد على المجتمع، فحجابها مودرن وهي تحب الرقص لكنها مقيدة.. كذلك دعاء (إنجي أبو السعود) صديقة بسمة والتي تساعدها في الحصول على فستان لوردة من صاحبة أتيلييه تفصل الفساتين لنجمات السينما، شخصية تستحق مساحة أكبر وقد أدتها إنجي بتميز أيضاً.
اختارت جيلان عوف أن تقدم فيلماً تحصر أحداثه في 24 ساعة، وهو نمط سائد في السينما، لكنه يستلزم التركيز على تفاصيل الشخصيات كي لا يتوه المشاهد وكي تكتمل الحكايات ولا تبقى معلّقة، فيشعر الجمهور وكأنه أمام وجوه تعبر في الفيلم لأداء مهمة أو قول جملة والسلام.. حتى أزمة فستان الزفاف قدمتها في أكثر من نموذج، فبجانب البطلة المتمسكة بحقها بهذا الحلم، رأينا العروس الثرية الباحثة عن أغلى وأجمل فستان، والعرائس ومشاكلهن في صالون «الكوافير»، والعروس المحتفلة بعقد القران على ظهر سيارة نقل وبمواكبة دراجات مع أسرتها والجيران والأصدقاء..
إلى أن نصل إلى الختام الذي أرادته المخرجة تجسيداً حياً لمعنى التعاون الحقيقي داخل الأحياء الشعبية والمجتمع المصري، تعاون والدة وردة وخالتها والجارات من ستات الحي وبناته من أجل إنقاذ الفستان الأبيض وإكمال الفرح، مشهد الختام يحمل الكثير من المعاني الإنسانية الجميلة، يثلج القلوب ويبدو منطقياً وفق سياق الأحداث.
المخرجة الآتية إلى السينما من باب الدراسة والخبرة العملية والتدريب على أيدي مخرجين بارعين أمثال داود عبد السيد، تفتح لنفسها باباً يؤهلها لتقديم المزيد من الأفلام الطويلة، والمهم أن تلتفت إلى ما يتيح لها كسب ود الجمهور وليس فقط اللجان التحكيمية في المهرجانات، والجمهور يُقبل على أفلام جيدة الصنع وسهلة المضمون واضحة بكل تفاصيل شخصياتها، يحب الارتباط بالأبطال وفهم ماضي كل شخصية وأبعادها. لذلك يمكن القول بأن جيلان عوف نجحت في الإخراج وفي الفكرة أكثر من نجاحها في كتابة القصة بأكملها والإحاطة بكل جوانب أحداثها، ما يجعل الفيلم جيداً لا ممتازاً، علماً أن مضمون «الفستان الأبيض» يعكس مدى عمق تفكير جيلان وقدرتها على تقديم الأفكار الجديدة وغير المستهلكة ولا المبتذلة، ويكفي أنها استطاعت تقديم فيلمها الأول مع أبطال معروفين ومحبوبين أمثال ياسمين رئيس التي شاركت أيضاً في إنتاج الفيلم، وأسماء جلال وأحمد صالح ولبنى ونس وسلوى محمد علي..
كل من شارك في الفيلم تمثيلاً منحه بعضاً من روحه وأسهم في إنجاحه وفي التعبير عن أحلام فتيات يكسرهن الفقر والحاجة، تتصدرهم ياسمين رئيس التي جسدت معاناة فتيات الطبقة الشعبية باقتدار، أحمد خالد صالح ممتاز بدور العريس «المطحون المقهور» الخائف من عجزه عن تحمل مسؤولية أسرة بسبب الأعباء المادية، وأسماء جسدت دور الفتاة المحجبة «نصف حجاب» كما يقولون، الشعبية القوية المتعلقة بالتيك توك بشكل سطحي.. فضلاً عن أداء إنجي أبو السعود الفتاة التي تعمل في محل ملابس المرحة والجريئة والتي فجأة تتعرض لموقف صعب تعجز صديقتاها عن إنقاذها منه، ومرور ميمي جمال ولو بمشهد واحد هو إضافة، بجانب طبعاً الأداء اللافت كالعادة لسلوى محمد علي ولبنى ونس.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق