نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
لكل منا ديكتاتوره! - اخبارك الان, اليوم السبت 1 فبراير 2025 08:06 مساءً
لا أتصور أن تمر المراجعات السياسية المهمة التي تعلن الآن للملأ، دون قراءة متأنية وعاقلة ومنفتحة، إذ لربما تكون المرة الأولى التي يسمع فيها المصريون، ليس اعترافا واعتذارا بالأخطاء وعن الأخطاء وحسب، بل رواية أخرى غير رسمية لحدث يبدو الأهم والأخطر في تاريخ الأمة المصرية الحديث، من أطراف كانت فاعلة ومؤثرة حينها، ووسط تواجد الأطراف الفاعلة والمؤثرة الأخرى، أحياء يرزقون برواياتهم وقصصهم.
ما كُتب وسيُكتب، عن كواليس ما جرى في غرف صناعة القرار، وقت سنوات وشهور بعد تنحية الرئيس الأسبق حسني مبارك- رحمه الله، عن كرسي الحكم، على قدر عظمته وأهميته، غير أنني أزعم أن تلك المراجعات، التي يُراد لها وبها، أن تكشف كيف جرى وأدُ ديمقراطية يناير الناشئة، وأن تشي بكل الممارسات والألاعيب السياسية المتهورة، التي كادت أن تضع البلاد على شفا انهيار وصراع داخلي. كل تلك المراجعات أو الاعترافات؛ إن صح التعبير، لن تصبح أبدا ذات قيمة مضافة، في أية معادلة سياسية أو اجتماعية قد تحدث مستقبلا.
لن تكون تلك المراجعات، إلّا التفافا على المأساة العقلية والفكرية الحقيقية، التي آلَمت وتؤلم المصريين منذ سنوات طويلة جدا؛ فهي في تقديري، ليست أكثر من شرحٍ ناقص مبتور مخادع، لمرض عضال استوطن كلَّ خلية ونواة في أجسادنا نحن، نحن المصريين والعرب. إن المأساة تتجاوز حقيقةً - في رأيي - كلَّ أخطاء وخطايا وآثام ارتُكبت يومًا في حق البلاد وشعبها، بل تتجاوز أيضا كل الشخصيات التاريخية الخالدة المُؤثرة، المحفورة في وجدان المصريين، فثمة علاقة عشق آثمة، أبدية على ما يبدو، جمعت المصريين والاستبداد، ولا مفر ولا حل سوى بفضحها، وتعرية التواطؤ المجتمعي الفاسد مع الاستبداد وفاعليه، بأي ثمن، وفي أقرب وقت.
ويبدو لي، أنّ السؤال المهم والأجدر بالمناقشة، أمس والآن، هو: ماذا لو كنا، نحن المصريين، مُجرّد صخرة تتحطم عليها كل آمال وأحلام الحرية، ماذا لو كانت النخبة السياسية بتياراتها، وزعمائها الروحيين الخالدين، أحد العوائق الرئيسية أمام أي تحول ديمقراطي حقيقي، كان وسيكون، شأنهم في ذلك شأن تيارات وأحزاب الإسلام السياسي، بكل فروعه وجماعاته وشيعته.
للأسف، لكلٍّ منا - على اختلاف ثقافته وفكره ورؤيته - مُستبدّه الروحي الذي هو بطل قصته وقدوته ورمز شجاعته وكبريائه ومروءته. لكلٍّ منّا ديكتاتوره! نحن لا نكره ولا نرفض ولا نعادي الديكتاتورية بكل صيغها وصورها وتفاسيرها، بل خُدّام عُبّاد عُشّاق لها وبها، دعونا نعترف: نحن، وهُم - أي النخبة السياسية - لا نناضل ضد الاستبداد، أي استبداد، نحن نناضل لئلا تفتك بظهورنا سوى «كرابيج» معشوقينا.
قصف صدام حسين شعبَه بالأسلحة الكيماوية، وأذلَّ ملايين العراقيين واستبدَّ بهم، وجثم وحزبُه «البعث» على صدورهم سنوات وسنوات، ومع ذلك لم يُحرِّك ذلك في النخب السياسية، الزاعمة والمُدّعية بنضالها ضد الظلم والاستبداد، ونحن أيضا، الشعب المنادي بالحرية والديمقراطية، ساكنا، بل وقف سياسيّونا - أواسط التسعينيات - بكلّ فخر وثقة، أمام الكاميرات، مُخاطبة مُستبدّ العراق الأشهر، أنَّ «كل شعوب العرب تقف وراءك يا مهيب الركن، يا أيها القائد الشجاع».
تغنّينا، وتغنَّت ولا تزال - النخب السياسية - بحكمة وشجاعة وصلابة وقدرة صدام حسين، وكل صدَّام في الوطن العربي. نروي في إعجاب وإجلال سِفاح، كيف أشهَر سيفَه البتَّار في وجه الامبريالية الغربية الأمريكية؛ لينتصر بالأخير نصرًا إلهيا ساحقا ماحقا، كما نصر كل معارك العرب، حتى لو كان يدهس بقدميه كل يوم ملايين العراقيين.
غفرنا، وغفرت النُّخَب، كلَّ جرائمه في حق شعبه، وأوجَدنا معا، لكل رذائله وآثامه وشهواته، الحُجَج، والمبرّرات، كلّ المبرّرات. ورأينا معا، في كل ما هو شرير وقبيح إبان سنوات استبداده، الجمال، كل الجمال، والحكمة والمنطق. غسلنا سُمعته وسمعة نظامه الوحشي، ولاحقنا خصومه ومعارضيه ورافضيه بكل التهم، وكل الطرق.
لم نكن لنهتم، أو تهتم النخب السياسية المزعومة، بكل أنّات وصرخات ونداءات العراقيين، الصادحة بكل أمنيات وتمنِّيات التحرّر من عبودية الطاغية، كُنّا نراهم عملاء وأعداء للعراق وللعروبة بأكملها، كان يقلقنا أن يسقط «صدام»، حتى لو كان طاغية متجبرا مُستبدًّا، فقط، لأنه يُذكّرنا ويشعل حنين صدورنا لطواغيتنا الأشهر والأهم، ثم أننا لم نكن لننسى أو نتغاضى عن موهبته العربية الفريدة المكتسبة من كل أساتذة الاستبداد الروحيين، في هزم الأعداء بالخطابات الصوتية المدوية الرنانة، الناطقة بكل ما هو كذب وادعاء.
لو أنّ ما تقوله وتكشفه تلك المراجعات السياسية، هو احتمال من احتمالات الحقيقة والمنطق، لَوَجب أن يعتذر كاتبوها أوّلاً - حتى تتّسق وحديثهم عن الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، وكل الشعارات والهتافات النبيلة التي هتف لها وبها في الميادين والشوارع. يعتذرون لدعمهم ودفاعهم المستميت عن كل طغاة العرب وجلادي شعوبهم، فلم يكن حافظ الأسد ومن بعده بشّار، وصدّام حسين ونجلاه، ومعمر القذافي، وتنظيم الإخوان، والذين ظلّوا يناصرونهم ويدافعون عنهم بكل جرأة ووضوح، بل ويعتذرون لهم، ويتحالفون معهم، سوى رموزٍ تُجسّد الديكتاتورية والاستبداد والفاشية في أبشع صورها.
إن الأزمة الحقيقية في ظني، ليست في خطأ أو خطيئة، ارتُكِبت هنا أو هناك، كما قُلتُ قبل ذلك. الأزمة كل الأزمة، أن هناك ملايين بيننا ومِنّا، يناصرون كل زعماء الفاشية والاستبداد حول العالم، ثمّ يذهبون يُعلّموننا كيف نكره ونرفض ونعادي الديكتاتورية والاستبداد. حقيقة لا أدري كيف تكون مُتيَّمًا عاشقا لكل طغاة التاريخ وساحقي الحرية، أي حرية، الأحياء منهم والأموات، ثم تبكي وتتباكى، زورًا وادِعاءً، على الحرية المهزومة المقهورة المنبوذة! للأسف؛ في جمجمة كلٍّ منّا ديكتاتور صغير، وبائس أيضًا.
0 تعليق