أبو ذر.. الدولة تهزم الثورة - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أبو ذر.. الدولة تهزم الثورة - اخبارك الان, اليوم السبت 22 فبراير 2025 02:50 مساءً

اسمه مختلف عليه، مرة يقولون: "جندب بن جنادة الغفاري"، ومرة يقولون: "جندب بن سكن"، وفريق ثالث يقول: "برير بن جنادة".

عمومًا هو معروف لدينا بـ "أبو ذر"، وحتى في هذه فهناك اختلاف، يقولون في سبب إطلاق تلك الكنية عليه إن اسم (أبي ذر) أو (أبي الذر) من معنى النملة. ويوجد قول صرّح بذلك: "كني بأبي ذر لأنه خبز خبزا فطلع عليه الذر".

وبعضهم يقول إن اسم أبي ذر من فعل (يذر) أي يترك. فالروايات التي تصف حال أبي ذر يُفهم منها أن اسم أبي ذر من) الوحدة) و(العزلة) و(الخلوة) و(التفرد) وهي جميعها من معاني فعل (يذر) أي يترك. وهناك حديث نبوي شهير يقول: "مرحبا بأبي ذر يمشي وحده ويموت وحده ويبعث وحده".

شاء الله أن يكتمل ـ مبكرًا ـ عقل أبي ذر، فهجر عبادة الأصنام قبل الإسلام وكان يعبد الله الواحد الأحد بطريقة ما، وكان لأبي ذر شقيق يدعى "أنيس"، سافر إلى مكة في حاجة من حوائجه ومكث بها بعض الوقت، وعندما عاد سأله أبو ذر عن أحواله بمكة فقال له سمعت برجل يزعم أنه رسول من الله.

تنبهت كل حواس أبي ذر لكلام أخيه، فعاد يسأله عن موقف قومه منه؟

فقال أنيس: إنهم يقولون هو ساحر ومرة يقولون إنه شاعر، ومرة يقولون بل هو كاهن، أما أنا فلا أراه ساحرًا ولا شاعرًا ولا كاهنًا.

عند هذا الحد من الحوار انطلق أبو ذر يقصد مكة لكي يتبين الأمر بنفسه.

في مكة ستقابله مشكلتان، الأولي أنه غريب لا يعرف أحدًا كما لا يعرفه أحد، وقد تغلب بإقامته بجوار الكعبة على تلك المشكلة وكان طعامه وشرابه أن يرتوي من ماء زمزم.

المشكلة الثانية أنه يبحث عن رجل لا يعرف حتى ملامح وجهه.

مكث أبو ذر في مكة ثلاثين يومًا لا يعرف طريقًا إلى الرجل الذي يزعم أنه رسول من عند الله، حتى لفتت إقامته الدائمة بجوار الكعبة نظر الإمام علي بن أبي طالب، الذي استضافه في بيته ولم يسأله عن شيء، ثم تجرأ أبو ذر وباح بسره لعليّ الذي قدمه إلي الرسول فجري بينهما هذا الحوار.

قال أبو ذر: أنشدني مما تقول.

فأجاب الرسول عليه الصلاة والسلام: ما هو بشعر فأنشدك، ولكنه قرآن كريم.

قال أبو ذر: اقرأ عليّ.

فقرأ عليه الرسول، ما تيسر من القرآن، فقال أبو ذر: “أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله"!

وسأله النبي: ممن أنت يا أخا العرب؟

فأجابه أبو ذر: من غفار.

فتألقت ابتسامة على فم الرسول، ضحك لها أبو ذر، لأنه يعرف سر ابتسامة الرسول، وذلك لأن قبيلة غفار كانت مضرب المثل في قطع الطريق والسطو على الناس، وها هو واحد من أبنائها جاء يجهر بالإسلام الذي لم يكن قد غادر بعد مهده الأول.

قبيل انصراف أبي ذر من مجلسه مع الرسول، طلب منه الرسول أن يكتم الأمر حتى إذا ظهر الإسلام واشتد عوده يعود أبو ذر علانية غير خائف من أحد.

لكن أبو ذر غلبت عليه طبيعته التي تريد الحق كله في ساعة واحدة، ولذا فقد أقسم بأنه سيجهر بإسلامه أمام صناديد قريش، بالفعل توجه إلى الكعبة وأعلن إسلامه فانهلوا عليه بالضرب ثم تركوه وهو يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة، وفي صباح اليوم الثاني كرر فعلته فعادوا إلي ضربه، حتي مر بهم العباس بن عبد المطلب فحذرهم من قتل الرجل الذي عرف إنه من غفار، لأن قبيلته لن تسكت على قتله خاصة وطريق تجارة قريش يمر عبر أراضي القبيلة.

عاد أبو ذر إلى قبيلته وعرض الإسلام علي أمه وأخيه أنيس فأسلما، ثم عرضه على باقي أفراد قبيلته فاسلموا جميعًا، ثم لم يكتف بهذا الانجاز فعرض الإسلام علي قبيلة تجاورهم وهي قبيلة "أسلم"، فاسلموا كذلك.

وعندما سمع بهجرة الرسول وأصحابه إلى المدينة هاجر بكل أفراد القبيلتين الذين بايعوا الرسول، ثم عادوا إلى أراضيهم وبقي أبو ذر بجوار الرسول في المدينة.

كان قلب أبي ذر قد امتلأ بالمعني الأول للإسلام من حيث أنه يعني المساواة الكاملة والحق المطلق والثورة الدائمة على كل ظلم وأي ظلم.

هذا المعني لم يكن يمثل أدني مشكلة في زمن دولة الرسول ولا في زمن دولة أبي بكر الصديق ولا في زمن دولة عمر، ولكنه هذا المعني الجليل الخطير تحول إلى محنة في زمن دولة عثمان.

الصحابة المجاهدون الذين عايشوا الرسول أصبح بعضهم من أثرى أثرياء القوم، بينما ظل الفقراء على حالهم من الفقر والعوز، رجل يريد الحق المطلق مثل أبي ذر لا يرتاح له جانب حتى يخرج على الناس محذرًا من ضياع المعني الأول، معني المساواة ونصرة الحق.

ولأنه لم يكن رجل دولة ولا رجل سياسة بل كان رجل ثورة دائمة، فقد توجه إلى معقل الأثرياء وإلي قلعتهم الحصينة، توجه إلى دمشق التي يحكمها باسم الخلافة معاوية بين أبي سفيان.

اجتمعت الأمة علي أبي ذر الذي لو أراد أن يكون من الفقراء جيشًا يحارب به الأثرياء لفعل، ولكن الرجل يريد أن يعيد الأمة إلى شريعتها بالكلام لا بالسيوف، هو يكره أن يراق الدم ويحب أن تسري كلمته في القلوب فتعيدها كما كانت في زمن الرسول، ولذا راح يصرخ في طرقات دمشق حيث قصور ومزارع الأثرياء: "بشر الذين يكنزون الذهب والفضة بمكاوٍ من نار، تكوى بها جباههم وجنوبهم يوم القيامة".

ثم يصرخ وقد اشتد ضيقه بهؤلاء الأثرياء: "عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه".

ثم ينفر من الدم ومن خروج السيوف من أغمادها فيعود إلى التخويف من النار التي تنتظر الكانزين.

ضاق الأمير معاوية بدعوة أبي ذر فاستدعائه ليناظره، وزعم معاوية أن آية الكنز قد نزلت في أهل الكتاب، فرد عليه أبو ذر: "لقد نزلت فيهم وفينا".

لم يجد معاوية أمامه سوى الشكوى إلي الخليفة عثمان بن عفان الذي استدعي أبا ذر وخيره بين الإقامة في المدينة أو الخروج منها، فاختار أبو ذر الخروج لأنه لم يعد لديه صديق، فهو يهاجم الجميع، فما إن يسمع بأن فلانًا من الصحابة قد بني بيتًا أو امتلك مزرعة حتى يقيم عليه الدنيا.

أبو ذر يريد كل الحق الآن ولا تستطيع طبيعته الثورية أن تتسامح مع أدني درجات الظلم ولو للحظة.

لقد عرضوا عليه إمارة العراق هذا المكان الثري جدًا والمتحضر للغاية لكنه رفض قائلًا: "والله لا تميلوا عليّ بدنياكم أبدًا".

أبو ذر يريد الصحابة كما تركهم الرسول، مجاهدين مصابيح هدى، أما الثروات فهو لا يكاد يصبر على جمعها وعلي جامعيها لحظة واحدة.

لقد خرج إلى أرض الربذة وهي صحراء من كل الجهات، لكي تتحقق فيه نبوءة الرسول، يعيش وحده ويموت وحده، وقبيل موته يقول عنه الإمام عليّ بن أبي طالب: "لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر".

وهو يحتضر بكته زوجته وولده فلم يكن لديهما ما يصلح كفنًا لأبي ذر، فمر بهم عبد الله بن مسعود فبكاه قائلًا: "صدق رسول الله، تعيش وحدك وتمشي وحدك وتموت وحدك".

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق