عاجل

فرص كبيرة ومخاطر محققة .. كيف تحول المال إلى وعد بالدفع؟ - اخبارك الان

0 تعليق ارسل طباعة

- لطالما ارتبط مفهوم المال، على مر العصور، بأشكال مادية ملموسة، بدءًا من أصداف المحار التي استخدمها الصينيون وصولاً إلى العملات المعدنية التي صكتها الإمبراطوريات الرومانية، وقد أدى هذا الشكل المادي إلى تسهيل المعاملات التجارية بشكل كبير، إلا أنه ظل مقيدًا بحدود معينة.

 

- ومع تطور الحضارات وتزايد التعاملات المالية، برز مفهوم جديد أحدث ثورة في عالم المال، ألا وهو اعتبار "الوعد بالدفع" في حد ذاته شكلاً من أشكال المال، حيث يمكن تسجيل هذه الوعود وتداولها وإيداعها وسحبها بين العديد من الأطراف.

 

 

- يُعتبر كتاب "المال والوعود" للمصرفي والمؤرخ المتميز باولو زانوني بمثابة لوحة فنية تتناول تطور النُّظم المالية، حيث يأخذ القارئ في رحلة عبر الزمان والمكان، بدءًا من إيطاليا في عصر النهضة وصولًا إلى روسيا الثورية، مستعرضًا مجموعة متنوعة من الأحداث والشخصيات التي شكّلت تاريخ المال.

 

للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام

 

- ويهتم زانوني بشكل خاص بدور المؤسسات المالية والحكومات في تشكيل هذا التاريخ، مؤكدًا على الدور المحوري للتبادل المستمر للديون في خلق فرص هائلة، مع التأكيد في الوقت ذاته على المخاطر الملازمة لها.

 

- تبدأ أحداث الكتاب في مدينة بيزا الإيطالية، الشاهدة على ازدهار تجاري كبير في أواخر القرن الرابع عشر، ومع ذلك، عانت المدينة من نقص حاد في الفلورينات الذهبية، العملة السائدة آنذاك، مما عرقل حركة التجارة والحرف.

 

- يكتشف زانوني في رحلته الشغوفة عبر الأرشيفات الإيطالية سجلات بنك صغير صمدت عبر الزمن، والتي تكشف عن حقيقة مثيرة للاهتمام: كيف استبدلت "أموال البنوك"، أي تحويل الديون إلى أداة للتبادل التجاري، العملات المعدنية التقليدية.

 

- فمثلاً، استطاع تاجر صوف تسديد ديونه البالغة 36 فلوريناً باستخدام دين آخر مسجل لدى البنك، وذلك في نظام دقيق ومتتبع بدقة في سجلات البنك.

 

- ويرى المؤلف أن هذه العملية لم تكن مجرد معاملة تجارية عادية، بل كانت ثورة في عالم المال والمصارف، فمفتاح نجاح هذا النظام يكمن في الثقة المتبادلة بين المتعاملين والمؤسسات المالية.

 

- أثناء مقارنته للوضع المالي لبيزا والبندقية، يلاحظ المؤلف فارقاً كبيراً، ففي البندقية، أدت تدفقات التجار الأجانب والملاءة المالية المشكوك فيها إلى تفاقم الأزمة المالية.

 

- أدى هذا التدفق إلى نقص حاد في السيولة، مما دفع العديد من البنوك إلى الإفلاس، وخلال خمسين عاماً فقط، اختفت جميع البنوك العشرة التي كانت تعمل في المدينة عام 1496، شاهدة على انهيار النظام المصرفي تماماً.

 

- وللتعامل مع هذه الأزمة، لجأت حكومة البندقية إلى الحلول نفسها التي نراها تتكرر في عصرنا الحالي: فقد فرضت قيوداً على عمل البنوك، وشدّدت من المتطلبات الرقابية، وحاولت الحد من الأنشطة المضاربية.

 

عصا الحساب: أداة بدائية لإدارة الديون في بدايات النظام المالي البريطاني

 

 

- مع تأسيس بنك إنجلترا عام 1694، ترسخت أركان الدولة وازدادت تماسكًا، ويوضح المؤلف أن البنوك في تلك الحقبة كانت تستخدم وسائل بدائية للغاية لتسجيل المعاملات المالية.

 

- فكانت "عصا الحساب"، وهي أغصان شجر محفورة، تلعب دورًا حيويًا في تتبع الديون، خصوصًا تلك المستحقة للدولة، وكانت هذه العصي بمثابة أقدم أشكال قواعد البيانات، حيث يمثل كل نقش فيها قيمة مالية.

 

- وأنشئ بنك إنجلترا، بتمويل من القطاع الخاص، ليكون أداة حكومية أكثر كفاءة، ففي تحول جذري، تحولت الديون المسجلة على عصا الحساب إلى أصول مصرفية، وتحولت مدفوعات الضرائب إلى سندات قابلة للتداول.

 

- وبهذه الخطوة، كما يرى زانوني، تحولت ديون البنك إلى عملة وطنية حقيقية، وهكذا، تم التغلب على أزمة نقص السيولة التي عانت منها إنجلترا، وشهدت البلاد ازدهارًا اقتصاديًا.

 

تأثير الصراع الأيديولوجي على النظام النقدي الأمريكي: مركزية هاملتون مقابل لامركزية جيفرسون

 

 

- عند تأسيس الولايات المتحدة، نشأ خلاف حاد حول طبيعة النظام النقدي، بين مؤيدي المركزية المالية بقيادة هاملتون، والمدافعين عن اللامركزية بقيادة جيفرسون.

 

- دافع هاملتون عن إنشاء بنك مركزي وعملة وطنية موحدة لتعزيز التجارة والديون، بينما رأى جيفرسون في ذلك تهديدًا للحرية الاقتصادية، مفضلًا عملة ورقية صادرة عن الولايات.

 

- أخّر هذا الصراع الأيديولوجي صدور أول عملة معدنية أمريكية حتى عام 1793، وفي غياب سياسة نقدية موحدة، نما الاقتصاد بشكل كبير اعتمادًا على الأموال المصرفية، مما عرقل -من وجهة نظر زانوني- جهود توحيد النظام النقدي تحت مظلة بنك وطني واحد.

 

من الثورة إلى الرأسمالية: تحولات النظام المصرفي السوفيتي

 

 

- في الفصل الأكثر إثارة للاهتمام في كتابه، يتناول المؤلف قصة النظام المصرفي السوفيتي المبكر، تلك القصة التي تبدأ بحماس ثوري ينتهي إلى تبني آليات رأسمالية.

 

- ويربط الكاتب بين هذه القصة وبين تجربته الشخصية كرجل أعمال ومصرفي، لا سيما خلال عمله في موسكو.

 

- فمن خلال سرد القصص التاريخية وشرح الخبرات العملية، يرسم زانوني صورة واضحة للتناقضات التي طغت على النظام السوفيتي، وكيف أن الحاجة إلى التمويل دفعت هذا النظام إلى تبني أدوات مالية كانت تهدف في الأصل إلى تفكيكها.

 

فجوات في السرد: غياب الأزمة المالية والعملات المشفرة

 

 

- يُغفل كتاب "المال والوعود" -رغم تناوله بعض الأحداث المعاصرة- التطرق بعمق للأزمة المالية العالمية عامي 2008 و2009، ولا يذكر سوى القليل عن ثورة العملات المشفرة مثل البيتكوين التي اعتمدت على تقنية دفتر الأستاذ الموزع لتقليد النظم المالية القديمة التي تبنتها مدن مثل البندقية وبيزاس.

 

- ويبدو أن زانوني قد استكان إلى فكرة أن الديون المتراكمة وإفلاس البنوك المتكرر أصبحتا جزءًا لا يتجزأ من النظام الاقتصادي الحالي، مما يُشعر القارئ أنه كان من الأفضل لو أتى على ذكر هذه الفكرة بصراحة أكبر.

 

- ومع ذلك، فإن كتاب "المال والوعود" يجمع ببراعة بين الدراسات العلمية وبين السرد التاريخي الممتع، إنه القراءة المثالية لقضاء أمسية صيفية، حيث يوفر للمهتمين بالتاريخ المالي تجربة غنية وممتعة، بعيدًا عن السطحية التي قد ترافق بعض قراءات الصيف التقليدية.

 

المصدر: وول ستريت جورنال

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق