نعرض لكم زوارنا أهم وأحدث الأخبار فى المقال الاتي:
أشرف غريب يكتب: ذهب «عون» وجاء آخر - اخبارك الان, اليوم الأحد 12 يناير 2025 09:57 صباحاً
اعتاد اللبنانيون على أن يصبح المؤقت هو الدائم، فمنذ ثلاثين شهرا تدير مؤسساتهم حكومة تصريف أعمال على أثر استقالة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وفشل النخبة هناك في تشكيل حكومة جديدة بسبب التركيبة الطائفية المربكة للمشهد العام في لبنان، ليس هذا فقط، فمنذ انتهاء ولاية الرئيس اللبناني العماد ميشيل عون في أكتوبر 2022 أي قبل سبعة وعشرين شهرا ولبنان بلا رئيس للسبب ذاته، لبنان إذن كانت على مدار العامين الماضيين بلا رئيس جمهورية أو حكومة!
لكن أخيرا ومنذ أيام أصبح للبنان رئيس بعد ما يزيد على العامين ظل خلالهما المنصب الرفيع شاغرا، انتخب مجلس النواب اللبناني بعد ولادة متعسرة الرئيس الرابع عشر لتلك الدولة التي أراد لها الاستعمار الفرنسي أن تكون مرتعا لكل المتصارعين من أصحاب النفوذ، ليس فقط في المنطقة وإنما في العالم أجمع، هذه الدولة الصغيرة التي ظلت منذ اختلاقها وحتى اليوم تدفع أثمانا باهظة فوق طاقتها لصراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل.
أصبح لديها الآن رئيس منتخب هو العماد جوزيف عون الذي كان حتى ساعات قليلة مضت قائدا للجيش اللبناني، وبصرف النظر عن الظروف والملابسات والمطالبات التي صاحبت انتخاب الرئيس الجديد، فإنّ الحقيقة الوحيدة المؤكدة في هذه الدولة التي لم تعرف الاستقرار قط، هي أنّ مرحلة الجمود السياسي قد انتهت أو هكذا يبدو، وأنّ قصر الرئاسة اللبناني في بعبدا قد بات مأهولا بمن عليه إن رغب واستطاع -أو هكذا مأمول منه- أن يصلح ما أفسده الآخرون على مدى عشرات السنين بحسب أمنيات ملايين اللبنانيين في بلد الأرز أو هناك حيث يعيشون في أصقاع بلاد المهجر شرق الأرض وغربها.
قد يقولون إنّ إرادة اللاعبين الكبار على المسرح اللبناني هي التي قررت الاكتفاء بهذا القدر من الفراغ الرئاسي كخطوة مهمة في مخطط إعادة صياغة خريطة المنطقة بأكملها، وقد يقولون إنّ قيصرية انتخاب العماد جوزيف عون تمت في وجود المبعوث الأمريكي بالعاصمة بيروت.
وقد يقولون إنّ الأطراف توافقت على رئيس لم يذكر في كلمته الأولى إلى الشعب اللبناني مفردة «مقاومة»، فيما أكد حتمية عدم وجود السلاح في أيدٍ خارج سلطة الجيش، في إشارة إلى حزب الله، وقد يقولون إن انتخاب جوزيف عون ينطوي على مخالفة دستورية يتوجب تصويبها، لكنهم ربما ينسون القول إنّ للرجل البالغ من العمر واحدا وستين عاما مواقف وطنية لا ينكرها أحد تدلل على امتلاكه منظومة قيمية أو على الأقل إنسانية.
أتصور أنّ الداخل اللبناني -على الأقل- في أمس الحاجة لها، هل سيذكرون للرجل المدجج بالأنواط والنياشين العسكرية أنّه من رفض أوامر الرئيس السابق ميشيل عون بإطلاق الرصاص على المتظاهرين اللبنانيين عامي 2019 و2023 وقت أن كان لا يزال ببزته العسكرية قائدا للجيش؟
وهو أيضا من رفض الزج بقواته في الصراع الطائفي ما أغضب منه بعض مارونيي لبنان؟ هل سيذكرون له أنه كان قد بدأ في إعادة انتشار الجيش اللبناني في الجنوب في مواجهة القوات الإسرائيلية؟ هل سيذكرون له أنه وفّر استقرارا ماديا لأفراد جيشه بفضل علاقاته الخارجية، بينما كان المدنيون يعانون اضطرابا معيشيا وتعثرات مصرفية طاحنة؟
ورغم ذلك كله، ورغم ما يبدو من انقسام اللبنانيين حول شخص رئيسهم الجديد فإنّ الأمل يحدوهم بأن يكون أفضل من سابقه في التعاطي مع العلل المستعصية التي يعيشها القُطر الشقيق منذ عقود، فلا تزال الطائفية -ما ظهر منها وما بطن- تنخر في عظام دعائم الدولة الواهنة أصلا.
والفساد يتجذر في كل مؤسساتها لا يجرؤ أحد على مواجهته وكبح جماحه حتى بعد المأساة الإنسانية الكبرى التي شهدها مرفأ بيروت قبل خمس سنوات تقريبا، والليرة اللبنانية في انهيار تام وأزمات الوقود بلا حلول حاسمة في ظل اقتصاد متداعٍ لا يقوى على تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن البسيط، وإعادة إعمار ما خلفته الاعتداءات الإسرائيلية المتتابعة لا سيما في الجنوب الصامد، خاصة أنّ جذوره تمتد إلى قرية العيشية في الجنوب اللبناني، ثم ماذا عن إسرائيل نفسها؟ ذلك العدو دائم التربص بلبنان التي يعتبرها نزهته المفضلة وامتدادا لغطرسته وفرض هيمنته؟ والأهم ماذا عن عدم إحساس المواطن اللبنانى بالأمان في بيته وشارعه ومحل عمله؟
ولا يغرنكم أنّ الشعب اللبناني محب بطبيعته للحياة، لديه قدرة مبهرة على مقاومة الضغوط والتكيف معها، وحملها على كتفيه في عشيته وضحاه وهو ماضٍ في طريقه يكابد من أجل العيش الكريم، فهو من حقه أن يقلق على حاضره ومستقبله، وأن يتطلع إلى الدعة والاستمتاع بالحياة الهادئة بعيدا عن صراعات يدفع ثمنها بلا مقابل، وينكوى بنارها دون ذنب، ومن هنا فليس أمام المواطن البسيط سوى التفاؤل ببزوغ عهد جديد يحقق فيه الحد الأدنى من طموحاته في الأمان بمفهومه الواسع، وأن يكون ساكن بعبدا الحالي العماد جوزيف عون أكثر حنكة من سابقه العماد ميشيل عون، وأعظم قدرة على تحقيق أحلام هذا الشعب.
لقد ذهب «عون» وجاء «عون» وكان الله في «عون» الشعب اللبناني الشقيق.
0 تعليق